أحداثإعلاملقاءات

الدكتور سليمان الحويلي: شمّ النسيم: احتفال مصري عابر للعصور ومتشبّع بالرموز الحضارية

تقرير: طريق الحرير اليوم، القاهرة

 

الأستاذ الدكتور سليمان الحويلي، أستاذ تاريخ وحضارة مصر القديمة والشرق الأدنى بكلية الآثار – جامعة القاهرة

في لقاء تلفزيوني على شاشة القناة المصرية الثانية، وفي برنامج (هنا ماسبيرو) الذي أذيع عشية احتفال المصريين بعد شم النسيم، سلّط الأستاذ الدكتور سليمان الحويلي، أستاذ تاريخ وحضارة مصر القديمة والشرق الأدنى بكلية الآثار – جامعة القاهرة، الضوء على عيد شم النسيم بوصفه مناسبة متجذرة في وجدان المصريين منذ آلاف السنين، حيث ارتبط منذ نشأته الأولى بالحضارة الفرعونية، كرمز لبداية الخلق وتجدد الحياة في فصل الربيع. وأوضح الدكتور الحويلي أن شم النسيم ليس مجرد عيد موسمي، بل هو طقس ثقافي عميق الدلالة، ارتبط بعقيدة المصري القديم، وتجدد عبر العصور، من الفرعونية إلى القبطية وحتى الإسلامية، محتفظًا بجوهره الرمزي رغم تعدد السياقات.

برنامج (هنا ماسبيرو)، القناة الثانية، التلفزيون المصري

جذور الاسم والاحتفال

يرى الدكتور الحويلي أن اسم “شم النسيم” نفسه ليس عربيًا أو إسلاميًا، بل مصري قديم، مستمد من أصول لغوية فرعونية، ومعبّر عن حالة الاحتفال ببدء موسم الزرع أو الحصاد. فكلمة شمو ان سيم تعني نضج الزرع، وأخذتها اللغة القبطية لتصبح ششوم ان سيم، بالمفهوم ذاته، للتحول إلى منطوق الاسم اليوم.

ويأتي العيد في توقيت الاعتدال الربيعي، عندما يتساوى الليل والنهار، وتبدأ الطبيعة في البعث والانبعاث، وهو ما رآه المصريون القدماء تجليًا لعودة الحياة والنماء. وكانت الاحتفالات تبدأ بالخروج إلى الحدائق والحقول، في أجواء بهيجة، يتشارك فيها الناس الطعام والمرح، وتُخصص أكلات معينة محمّلة بالرمزية: الفسيخ (السمك المملح): الذي يُعدّ من أقدم أطعمة الاحتفال، ويمتد تاريخه إلى العصر الفرعوني، حيث كان يرمز للخير والوفرة والخصوبة، رغم أنه يحمل دلالة “التحلل” من حيث الاس (با سيخ). البيض: يرمز إلى الخلق والانبعاث، كما في العقيدة الفرعونية، حيث يشبّهون الخلق بخروج الحياة من البيضة المغلقة، وهو ما دونته حتشبسوت على مسلتها، وارتبط هذا التصور برمزيات إخناتون الدينية.

وتلوين البيض لم يبدأ إلا مع التراث المسيحي في القرن الميلادي السابع، أما البصل والخس: ارتبطا بخصائص الشفاء والوقاية، وكان البصل يُعلّق على الرقاب وكأنه استعادة للروح، لذا هناك عادة شم البصل لمن يصاب بالإغماء، مثلا، كما ارتبط الخس بالخصوبة. كما أكد الضيف أكثر من مرة على أهمية السمك، ورغم أن البلطي كان من أشهر ما اصطاد المصريون القدماء من الأسماك، كما تشير الرسوم، إلا أنهم عرفوا أهمية السمك الصحية، والكثير من أنواعه الأخرى، في نهر النيل طاهر المياه، الذي كان المصري يستمد إيمانه من أنه لم يلوث مياه نهر النيل.

طقوس ومناسبات موازية

يشير الدكتور الحويلي إلى أن شم النسيم تزامن في بعض الأحيان مع أعياد ملكية ودينية وشعبية في مصر القديمة التي عرفت 160 عيدا على مدار فصول السنة التي قسمها القدماؤ إلى ثلاثة. ومن الأعياد ما هوملكي، أو شعبي، مثل: عيد تتويج ملك الشمال وملك الجنوب، الذي كان يرمز إلى توحيد القطرين، ويُحتفل به بتقاليد شعبية. كما كانت هناك أعياد الميلاد الملكية أو “الفيضان”، حيث يربط المصري القديم بين دورة الطبيعة ودورة الحكم والخلق. وأعياد الزرع والحصاد، والتي تُعد من أهم الأعياد الزراعية، حيث يُحتفل بنضج المحاصيل الرئيسية مثل القمح والشعير. وأكد أن القمح ركن أساسي في دورة الزراعة، ولذا كان الخبز، المصنوع من دقيق القمح، عنصرا أساسيا في الروم الجدارية لاحفالات المصريين القدماء. وأكد أن المصري كان يحتفل على قدر إنجازه في الزراعة أو البناء، فكل مناسبة تُجسّد شكلًا من أشكال التقدير للجهد البشري والإعجاز الطبيعي.

احتفال لا ينتمي إلى دين لكنه مشبع بالإيمان بالخصب

شدّد الدكتور الحويلي على أن شم النسيم ليس من الأعياد الدينية، رغم تزامنه أحيانًا مع مناسبات دينية كعيد القيامة، إلا أنه احتفال شعبي بطبيعته، ينتمي إلى الذاكرة الثقافية والهوية الحضارية. وهو شبيه بأعياد أخرى في الثقافات المجاورة، مثل النيروز أو عيد الربيع، لكنه يظل مميزًا بطقوسه الرمزية والروحية الخاصة بالمصريين.

واختتم حديثه بتأكيده أن المصري القديم لم يفصل بين الطبيعة والروح، فكل ما في الطبيعة يحمل دلالة، وكل دلالة تُترجم إلى طقس أو رمز، وهو ما يجعل شم النسيم عيدًا يعكس عبقرية الحضارة المصرية في التعبير عن الحياة، بالاحتفال، والتشارك، والتأمل في عظمة الخلق.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى