
عُقدت في ألماتي الدورة السابعة للمؤتمر الدولي لدعم ثقافة المعرفة تحت عنوان “ولادة علم التوركوسلافية”، بمناسبة الذكرى الخمسين لصدور كتاب الشاعر والمفكر أولجاس سليمانوف «آز وأنا».

نُظم هذا الحدث من قبل المركز الدولي للتقارب بين الثقافات تحت رعاية اليونسكو، بالشراكة مع مؤسسة بولات أوتيموراتوف، جامعة نارخوز، وجامعة رودن (جامعة الصداقة بين الشعوب) التي تحمل اسم باتريس لومومبا.
بدأ أولجاس سليمانوف كتابه بمحاولة تأويل شعرية لـ”مواضع مظلمة” في ملحمة “كلمة عن فوج إيغور”، لكنه سرعان ما أسّس من خلاله علماً جديداً يُدعى التوركوسلافيَّة، كاشفاً أصولًا توركية لكلمات سومرية ورموز كتابية، ومطوِّرًا منهجية جديدة في البحث أطلق عليها “أركيولوجيا العلامة والكلمة”، ما أتاح له دراسة أصول المفردات واستكشاف جذور اللغة، ليستمر لاحقًا طوال نصف قرن في اكتشاف آلاف الجذور اللغوية المرتبطة بتاريخ الإنسان العاقل.
أما مشروعه اللغوي-التاريخي الذي أعلنه في كتاب «آز وأنا» تحت عنوان “1001 كلمة”، فقد تجسد لاحقًا في أعماله الأدبية والعلمية، كما أصبح قاعدة لمشروع عالمي لليونسكو يُعنى بالتقارب الثقافي.
في افتتاح المؤتمر، هنّأ ساغيمباي كوزيباييف، رئيس أكاديمية الصحافة في كازاخستان وميسر الجلسات، أولجاس سليمانوف بمرور خمسين عامًا على إصدار الكتاب وبعيد ميلاده التاسع والثمانين.
قال كوزيباييف:
“دخل أولجاس عمره الأدبي والعام حاملًا معه برنامجه الخاص وفكرته الكبرى في تمجيد السهوب. كان لصوته صدًى واسع في الداخل والخارج، وكتابه «آز وأنا» غيّر النظرة إلى مصير الشعوب التوركية والسلافية في العصور الوسطى. رغم أن السلطة أدانته، إلا أن العالَم المفكر قرأه بعمق، وأصبح تمهيدًا للتحولات التي نعيشها اليوم”.
ومن بين الرسائل التي قُرئت في الجلسة، برقية تهنئة من منتيمير شايمييف، مستشار الدولة في جمهورية تتارستان، جاء فيها:
“جيلنا الذي تعرف على أدب أولجاس سليمانوف، لطالما أُعجب بموهبته. وعندما قرأتُ «آز وأنا» في أواخر السبعينيات، أدركتُ تمامًا أننا إن لم ندرس بأنفسنا تاريخ الشعوب التوركية وفق مقاربات علمية موضوعية، فلن يقوم أحد بذلك نيابةً عنّا”.
وأكد أول رئيس لتتارستان أن اكتشافات سليمانوف حول الصلات بين الثقافتين التوركية والسلافية ساعدته في إدارة جمهورية متعددة القوميات، وتحقيق التوافق بين الأديان والشعوب.
كما شارك أنار رسول أوغلو رضايف، رئيس اتحاد الكُتّاب في جمهورية أذربيجان، بكلمة عبر الإنترنت، قال فيها:
“لقد غيّر كتاب «آز وأنا» العديد من المفاهيم حول العلاقات التوركية السلافية، وقيّمها بموضوعية، وأثار جدلاً واسعًا. واجه رفضًا قاطعًا من البعض، وتأييدًا من آخرين، من بينهم والدي رسول رضايف، الذي كتب إلى أولجاس خطاب دعم وتعاطف، ورد عليه أولجاس بدوره”.
وأضاف أنار رضايف شكره لسليمانوف على أبحاثه العلمية، واصفًا إياه بـ”شاعر عظيم”.
ووردت أيضًا رسالة تهنئة من وزيرة الثقافة والإعلام في كازاخستان، عايدة بالايفا، جاء فيها:
“قبل خمسين عامًا، سلط هذا الكتاب الضوء على صفحات منسية من الماضي المشترك، وفتح آفاقًا جديدة لفهم الروابط التاريخية واللغوية. لقد ترك أثرًا بالغًا في تشكيل هوية الشعوب التوركية في حوارها مع العالم، وأصبح مع الوقت جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي، ليس فقط للشعب الكازاخي، بل للإنسانية جمعاء”.
كما شارك ميخائيل شويْدكوي، الممثل الخاص لرئيس روسيا للتعاون الثقافي الدولي، بكلمة عبر الإنترنت، قال فيها:
“مرّت خمسون سنة، وما زلت أذكر كيف كنا نتنازع لقراءة كتاب «آز وأنا». كيف تعرّضت الجهة الناشرة لأقسى أنواع النقد”.
وأشار شويْدكوي إلى أن الكتاب يثبت الصلة العضوية بين اللغة الروسية واللغات التوركية، وهي صلة غير مصطنعة تعود لآلاف السنين. وأكد أن التفاعل بين اللغات عملية حيّة ومتواصلة.
جنة لا يُمكن طردنا منها
كان من أبرز المداخلات تلك التي قدّمها الشاعر والمسرحي الطاجيكي، المرشح لجائزة نوبل للآداب، تيمور زلفقاروف، والذي انضم إلى المؤتمر عبر الإنترنت.
قال:
«الحديث عن إبداع صديقي منذ أيام الثانوية، أولجاس سليمانوف، هو عودة إلى أيام الماضي البعيدة والرائعة. وكما قال دانتي: الماضي هو الجنة الوحيدة التي لا يمكن طردنا منها. بطلي “خوجة نصر الدين” يقول إن الماضي هو الواقع الوحيد، لأن الحاضر مثل السمانة في العشب، لا يمكن الإمساك بها، أما المستقبل فهو إشكالي إلى حدٍّ كبير، لا سيما في زمن القنابل النووية».
وتذكر الشاعر أنه سمع شعر أولجاس سليمانوف لأول مرة في موسكو، في معهد غوركي الأدبي، الذي كان في السابق منزلًا لهرتسن، وقد وصفه بولغاكوف. وهو يرى في سليمانوف جوادًا ناريًا من سلالة الأخال-تيكي، وفرسًا أصيلًا في ميدان العلم العالمي.
وبعد أن استمع إلى التهاني والشكر من أصدقائه وزملائه، عبّر أولجاس عمرُوفتش عن امتنانه لهم، وشاركهم ببعض أفكاره قائلًا:
«يعرف الجميع أنني لم أكن منشغلًا فقط بالتركولوجيا، بل درست أيضًا العديد من اللغات. وفي عام 2007 أو 2008، اكتشفت كلمة واحدة، درستها لاحقًا، ولم أبدأ باستخدامها أمام الناس إلا مؤخرًا، لأني كنت قازاخيًا ناطقًا بالروسية، ولم أكن أقبل لغات قريبة، وكنت أظن أنني لن أنطق كلمة قازاخية واحدة، لكن اتضح أنني على استعداد لفعل ذلك الآن.
في القرن السابع قبل الميلاد، استقر في مصر شعب ما، وبدأ بممارسة الزراعة. وكان من علمهم ذلك هو الفرعون أوزيريس. فما معنى هذا الاسم (أوزيريس)؟ لقرون عديدة حاول الباحثون فهمه وفك رموزه، لكنه يتكون من كلمة واحدة مفهومة لدى القازاخ: “أس” وتعني “ينمو”. و”أسير” تعني “اجعل ينمو”. أوزيريس، هو إذًا من يجعل الأشياء تنمو. هذه الكلمات الثلاث تمثل قانون أوزيريس، كما كان يسميه اليونانيون».
هدف المؤتمر كان تقديم قراءة علمية للدور التاريخي الذي لعبه كتاب «آز وي يا» في تشكيل الوعي القومي والدولي لدى أجيال من قراء أوراسيا، عبر نصف قرن من التقريب بين الثقافات وكشف التاريخ المشترك بينها. وقد خُصصت كلمات المتحدثين من كبار العلماء من دول مختلفة لهذا الهدف، بالإضافة إلى محاور أخرى في مجال “التركوسلافية”.
قامت مارجريتا أل، رئيسة منظمة كُتَّاب العالم (WOW) ورئيسة المجلس الأدبي لجمعية شعوب أوراسيا وأفريقيا، بمنح أولجاس سليمانوف ميدالية ذهبية لـجائزة WOW، بالإضافة إلى ميدالية تقديرية على إسهامه في تطوير الأدب العالمي عن كتابه «آز وي يا».
وفي ختام المؤتمر، أعلن إيغور كروبكو، نائب مدير المركز الدولي لتقارب الثقافات التابع لليونسكو للشؤون العلمية والعلاقات الخارجية، أن مواد المؤتمر والمداخلات ستُنشر في كتاب توثيقي جامع. وقد أثارت كلماته تصفيقًا حارًا، حين أعلن أن أولجاس سليمانوف سيتم ترشيحه لنيل جائزة نوبل في الأدب.