
تجمعُ رواية ( أبي رسام خرائط) بينَ المُتعةِ الأدبيَّةِ، والقيمةِ التربويَّةِ، والبُعدِ الثقافيِّ، والمعرفيِّ. يُمكِنُنا اعتبارُها مشروعًا تربويًّا ثقافيًّا يُعيدُ الاعتبارَ لِقيمةِ المعرفةِ، ويجعلُ من مغامرةٍ شبابيَّةٍ مُشوِّقةٍ وسيلةً لاكتشافِ الذاتِ والعالَمِ والهُويَّةِ.
تتميَّزُ لُغةُ الرِّوايةِ بسلاسةٍ تَضمَنُ انسيابيَّةَ القراءةِ، وبِبَساطةٍ تَحترمُ عقلَ القارئِ النَّاشئِ، دونَ الإخلالِ بِعُمقِ الفِكرةِ أو التَّفريطِ بأهميَّةِ المعلومةِ، مِمَّا يُضفي على النَّصِّ نُضجًا مُتزِنًا. إذ يُقدِّمُ هذا البناءُ السَّرديُّ، الذي يَجمعُ بينَ روحِ المُغامرةِ والوعيِ، نَمُوذَجًا ناضِجًا في أدبِ اليافعينَ تجتمع فيه عَناصرُ التَّسليةِ والمعرفةِ، والتَّوجيهِ، في قالَبٍ أدبيٍّ سَلِسٍ مُشوِّقٍ، بَعيدٍ عنِ التَّكلُّفِ أوِ التَّهْويلِ.
تَعرضُ الرِّوايةُ سَرْدًا تاريخيًّا لنشأةِ علمِ الخَرائِطِ مُنذ العُصورِ القَديمةِ، مع استِدعاءٍ مدروسٍ لِشخصيّاتٍ علميّةٍ وجُغرافيّةٍ أَسهَمتْ في بِنَاءِ هذا العِلمِ وتَطوُّرِه عَبرَ الزَّمنِ حتّى العصرِ الحديثِ. تُنسابُ المعلوماتُ التاريخيَّةُ ضِمنَ الحواراتِ بينَ الأبِ راشد وابنهِ رشيد، ثُمَّ بينَ راشد وتلامذتِهِ في نادي رَسمِ الخَرائطِ، بشكلٍ يَخدمُ السَّردَ ولا يُثقلُ عليه، مِمَّا يَخلُقُ تَوازنًا بينَ الطَّرحِ المعرفيِّ والحَبْكَةِ الرِّوائيَّةِ.

تتناولُ الرِّوايةُ مفهومَ “المُغامرةِ” بعيدًا عنِ النَّمطيَّةِ، وتَمنحُنا تجربةً غنيَّةً تَربِطُ بينَ تاريخِ عِلمِ الخَرائطِ ومِهنةِ الأبِ، وتَنتهي بِرِسالةٍ إنسانيَّةٍ وثقافيَّةٍ ذاتِ بُعدٍ تربويٍّ عميقٍ.
حَبْكَةُ الرِّوايةِ مُحكَمةٌ، تَحمِلُ هدفًا معنويًّا وتربويًّا واضحًا، تقومُ على الانتقالِ مِن حياةٍ يوميَّةٍ بسيطةٍ، تتخلَّلُها مظاهرُ تَنمُّرٍ مدرسيٍّ وتحدِّياتٌ شخصيَّة، إلى مُغامرةٍ مِلؤُها التَّشويقُ والمخاطرُ، تَضعُ الأطفالَ أمامَ اختبارٍ حقيقيٍّ.
فالأطفالُ القُرَّاءُ يَنجذبونَ إلى القِصصِ التي تَبدأُ من عالَمِهم اليوميِّ المألوفِ، ثُمَّ تَنفتحُ على آفاقِ الخَيالِ أوِ المجهولِ، أو العكس؛ حيثُ يَبدأُ السَّردُ في عوالِمَ غريبةٍ، ثُمَّ يَعودُ لِيُلامِسَ واقِعَهم. هذا النَّوعُ مِنَ الحَبَكاتِ يُشبِعُ فُضولَهم، ويُعزِّزُ إدراكَهم للعالَمِ مِن حولِهم.
هذا العَمَلُ مَبنيٌّ على عِدَّةِ مَحطّاتٍ سَرديَّةٍ تُشَكِّلُ العَمودَ الفَقَريَّ في البناء الدرامي للرواية.
المَحطَّةُ الأُولى – الواقِعُ المَدرسيُّ اليوميُّ وتَحدِّياتُهُ النَّفسيَّةُ:
يُواجِهُ “رَشِيدٌ”، بَطَلُ الرِّوايةِ، مَوجةً مِنَ التَّنمُّرِ بِسَبَبِ مِهنةِ والدِهِ “رَسّامِ الخَرائِطِ”، مُقارَنةً بِزُملائِهِ الَّذينَ يَنتَمونَ إلى أُسَرٍ ذاتِ مِهَنٍ مَرموقةٍ كالأَطبّاءِ والمُحامينَ. وهُنا يَطرَحُ الكاتب إشكاليَّةً تَربويَّةً مَحوريَّةً: هَل تُقاسُ قِيمةُ الإِنسانِ بِطَبيعةِ مِهنتِهِ، أَم بِالقُدراتِ الَّتي يَمتلِكُها، وَالإِنجازاتِ الَّتي يُحقِّقُها؟
الرِّحلةُ المَدرسيَّةُ إلى مَحمِيَّةِ الفَيُّومِ الطَّبيعيَّةِ كَنُقطَةِ تَحوُّلٍ دِراميَّةٍ:
تُمثِّلُ هذهِ الرِّحلةُ لَحظةَ تَحوُّلٍ سَرديَّةً، يَظهَرُ فيها المُعلِّمُ “حَفنِي” كَنَموذجٍ لِلمُعلِّمِ المُلهِمِ، الَّذي يُخرِجُ التَّلاميذَ مِن رَتابةِ الصَّفِّ وَالتَّلقينِ المُملِّ، وَيَدعوهُم إلى الاِكتِشافِ وَالمَعرِفةِ الحَيَّةِ.
حادِثةُ الخَطفِ، واستِخدامُ الأَصدقاءِ الصِّغارِ لِلمهاراتِ الَّتي تَعلَّموها لِحَلِّ الأَزمَةِ:
في ذُروَةِ الرِّوايةِ، تَتَعرَّضُ الحافِلَةُ لِهُجومٍ مِن عِصابَةٍ، ويُختَطَفُ “رَشِيدٌ” ورِفاقُه. في هذا المَوقِفِ، تَتَحوَّلُ المَعرِفةُ الَّتيِ اكتَسَبَها “رَشِيدٌ” مِن والِدِهِ إلى وَسيلَةِ إنقاذٍ حَقيقيَّةٍ، حَيثُ يَربِطُ بَينَ المَعرِفَةِ وَالحَياةِ الواقِعيَّةِ في لَحظَةٍ مَصيريَّةٍ.
تُخْتَتِمُ الرِّوَايَةُ بِحَدَثٍ إِنْسَانِيٍّ وَتَرْبَوِيٍّ مُمَيَّزٍ، يُعِيدُ الاِعْتِبَارَ لِلوَالِدِ وَمِهْنَتِهِ، وَيُتَوِّجُ رِحْلَةَ الوَعْيِ وَالمَعْرِفَةِ بِتَأْسِيسِ “نَادِي رَسْمِ الخَرَائِطِ” فِي المَدْرَسَةِ.
أَمَّا الشَّخْصِيَّاتُ، فَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ، حَقِيقِيَّةٌ، مُتَكَامِلَةٌ وَظِيفِيًّا، وَالأَهَمُّ أَنَّهَا شَخْصِيَّاتٌ قَابِلَةٌ لِلتَّمَاهِي؛ يَسْتَطِيعُ أَيُّ طِفْلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا، بِضَعْفِهَا، وَفُضُولِهَا، وَأَسْئِلَتِهَا.
رَشِيد: شَخْصِيَّةٌ رَئِيسَةٌ تَتَّسِمُ بِالذَّكَاءِ وَالثِّقَةِ بِالنَّفْسِ. يُحِبُّ وَالِدَهُ وَيَفْتَخِرُ بِمِهْنَتِهِ، رَغْمَ ضَغْطِ الأَقْرَانِ، وَيَتَمَتَّعُ بِقُدْرَةٍ عَلَى القِيَادَةِ وَالتَّفْكِيرِ تَحْتَ الضَّغْطِ. يُمَثِّلُ رَشِيدٌ البَطَلَ الإِيجَابِيَّ الَّذِي لَا يَنْكَسِرُ أَمَامَ السُّخْرِيَةِ وَالتَّنَمُّرِ، وَيَتَفَاعَلُ مَعَ الأَحْدَاثِ بِوَعْيٍ، وَيَقُودُ زُمَلَاءَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ مِحْنَةِ الاِخْتِطَافِ مُسْتَخْدِمًا مَهَارَتَهُ فِي رَسْمِ الخَرَائِط.
رَاشِد مسافر(الأَبُ): هُوَ المُعَلِّمُ الأَوَّلُ لِرَشِيد، وَعَلَاقَتُهُ بِابْنِهِ قَائِمَةٌ عَلَى الاِحْتِرَامِ وَالحَثِّ عَلَى المَعْرِفَةِ، بَعِيدًا عَنِ السَّيْطَرَةِ الأَبَوِيَّةِ. وَيُقَدَّمُ فِي الرِّوَايَةِ كَقُدْوَةٍ مَعْرِفِيَّةٍ، حَيْثُ يُعَلِّمُ رَشِيدَ رَسْمَ الخَرَائِطِ وَقِرَاءَةَ الجُغْرَافِيَا بِوَعْيٍ تَارِيخِيٍّ.
المُعَلِّمُ حَفْنِي:
شَخْصِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ نَمُوذَجِيَّةٌ، تَكْسِرُ الصُّورَةَ النَّمَطِيَّةَ لِلمُعَلِّمِ التَّقْلِيدِيِّ. فَهُوَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الحِفْظِ وَالتَّلْقِينِ الجَافِّ، بَلْ يُشْرِفُ عَلَى رِحْلَةٍ خَارِجِيَّةٍ تَعْلِيمِيَّةٍ، وَيُشَجِّعُ التَّلَامِيذَ عَلَى الاِسْتِكْشَافِ وَالمُعَايَنَةِ وَالمَعْرِفَةِ الحَيَّةِ، مَا يَعْكِسُ رُؤْيَةً تَعْلِيمِيَّةً حَيَّةً تُنَمِّي القُدْرَاتِ وَتُوقِظُ الحِسَّ الفِكْرِيَّ.
الأَصْدِقَاءُ الثَّلَاثَةُ:
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هِوَايَةٌ خَاصَّةٌ تُثْرِي شَخْصِيَّتَهُ: نَجِيبٌ يُعْزِفُ عَلَى آلَةِ الكَمَانِ، وَسَامِي يَعْتَنِي بِالحَمَامِ الزَّاجِلِ، أَمَّا حَامِدٌ فَيُرَبِّي كَلْبًا. تُقَدِّمُ الرِّوَايَةُ هَؤُلَاء الأَطْفَالَ كَنَمَاذِجَ لِشخصيات تَمْتَلِكُ اهْتِمَامَاتٍ وَاقِعِيَّةً، لَا تَنْجَذِبُ لِعَالَمِ الشَّاشَاتِ وَالأَلْعَابِ الإِلِكْتُرُونِيَّةِ. إِنَّهُمْ يُشَارِكُونَ رَشِيدَ مُغَامَراتِهُ، ويضيفون للرواية عمقًا وغنى.
إنّ الرسائلَ التربوية والثقافية والاجتماعية التي حاولت الرّوايةُ إيصالَها بلطفٍ وسلاسة، غنيّةٌ بمضامينَ إنسانية محفّزة على التأمل والتقدير للمعرفة والهوية.
الرِّوايةُ تعيد الاعتبار للمهن معرفية من خلال تُسلِّيطُ الضَّوءَ على مِهْنَةٍ مُهْمَلَةٍ في نَظَرِ بَعْضِ النّاسِ، لَكِنَّها بَالِغَةُ الأَهَمِّيَّةِ: رَسْمُ الخَرَائِطِ عِلْمٌ لَهُ تَارِيخُه الطَوِيلٌ، وَدَوْرُهُ الكَبِيرُ، وَأَثَرُهُ فِي تَشْكِيلِ الحَضَارَاتِ.
كما تُساهِمُ فِي تَصْحِيحِ المَفاهِيمِ المُجْتَمَعِيَّةِ الَّتِي تَقِيسُ القِيمَةَ بِالمُسَمَّى الوَظِيفِيِّ.
الرِّوايةُ تَناولَتِ التَّنَمُّرَ المَدْرَسِيَّ بِرِفْقٍ وَذَكاءِ، دُونَ خِطابِيَّةٍ أَو مَبَالَغَةٍ، وَأَظْهَرَتْ كَيْفَ يُمكِنُ لِلطَّالِبِ أَنْ يُحَوِّلَ نِقَاطَ ضَعْفٍ ظَاهِرِيَّةٍ إِلَى مَصْدَرِ فَخْرٍ وَتَمَيُّزٍ. رَشِيدُ لا يَسْتَسْلِمُ لِسُخْرِيَةِ زُمَلائِهِ، وَالرِّوايةُ تُقَدِّمُ دَرْسًا تَرْبَوِيًّا فِي بِنَاءِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ دُونَ صِدامٍ مَعَ الآخَرِ.
تُبرزُ الروايةُ العَلاقاتِ الأُسَرِيَّةَ الصِّحِّيَّةَ من خلال العلاقةِ التي تجمعُ بينَ رشيدٍ ووالدِهِ، والتي تُعَدُّ نَمُوذَجًا مِثَالِيًّا لِعَلاقَةِ الأَهْلِ بِالأَبْنَاءِ، حيثُ تقومُ على الحِوَارِ والمُشَارَكَةِ والثِّقَةِ، لا على السُّلْطَةِ والأوامرِ والنواهي، ممّا يُكرِّسُ فَهْمًا تربويًّا ناضجًا لدورِ الأُسْرَةِ. كما تُقَدِّمُ الروايةُ بَدِيلًا صِحِّيًّا لِعَالَمِ الإِدْمَانِ الرَّقْمِيِّ، مِنْ خِلَالِ الأبطالِ الأطفالِ الّذين يمتلكونَ هِوَايَاتٍ حَقِيقِيَّةً تُنَمِّي الإِحْسَاسَ، وَتُعَزِّزُ الفَهْمَ، وَتُطَوِّرُ المَهَارَاتِ اليَدَوِيَّةَ، وَتُعِيدُ الِاتِّصَالَ بِالطَّبِيعَةِ، ما يُسَاهِمُ فِي تَوازُنِ الطِّفْلِ النَّفْسِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ.
. التَّعْلِيمُ بِالتَّجْرِبَةِ وَالمُلاحَظَةِ: تُمَثِّلُ الرِّحْلَةُ المَدْرَسِيَّةُ إِلَى محميّة الفَيُّومِ الطَّبِيعِيَّةِ مِسَاحَةً تَرْبَوِيَّةً مَيْدَانِيَّةً، تُجَسِّدُ مَنْهَجًا تَعْلِيمِيًّا يَقُومُ عَلَى الاِسْتِكْشَافِ وَالمُلاحَظَةِ، أَشْرَفَ المُعَلِّمُ “حَفْنِي” عَلَى التَّخْطِيطِ وَالتَّنْفِيذِ، وَشَجَّعَ الطُّلَّابَ عَلَى التَّأَمُّلِ فِي مَظَاهِرِ الطَّبِيعَةِ، ثمّ جَاءَتْ نَصَائِحُ الأَبِ لِوَلَدِهِ “رَشِيد” لِتُعَزِّزَ القِيمَ التَّرْبَوِيَّةَ، حَيْثُ حَثَّهُ عَلَى التَّفَكُّرِ، وَالسُّؤَالِ، وَالنَّظَرِ بِعَيْنِ الفَاحِصِ، ليرسم مع رفاقه خريطة للمحميّة، فَكَانَتْ العَائِلَةُ وَالمَدْرَسَةُ فِي اتِّسَاقٍ تَرْبَوِيٍّ يَبْنِي شَخْصِيَّةً وَاعِيَةً وَمُتَزِنَةً.
٦الجَانِبُ المَعْرِفِيُّ وَالتَّارِيخِيُّ: تَتَمَيَّزُ الرِّوَايَةُ بِبُعْدٍ مَعْرِفِيٍّ وَثَقَافِيٍّ يَتَجَلَّى فِي سَرْدٍ مُوجَزٍ وَمُنَظَّمٍ لِتَارِيخِ عِلْمِ الخَرَائِطِ، حَيْثُ تَسْتَعْرِضُ نُشُوءَهُ فِي الحَضَارَاتِ القَدِيمَةِ قَبْلَ المِيلَادِ، وَتُشِيرُ إِلَى أَبْرَزِ العُلَمَاءِ وَالجُغْرَافِيِّينَ الَّذِينَ أَثْرَوْا هَذَا المَجَالَ. كَمَا تُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ تَطَوُّرِ الخَرَائِطِ مِنْ رُسُومٍ بَدَائِيَّةٍ إِلَى عِلْمٍ دَقِيقٍ يُقَارِبُ الفَنَّ وَيَسْتَنِدُ إِلَى المَعْرِفَةِ العِلْمِيَّةِ. هذَا الحُضُورُ المَعْرِفِيُّ يُثْرِي عُقُولَ القُرَّاءِ الصِّغَارِ، وَيُضْفِي عَلَى النَّصِّ قِيمَةً ثَقَافِيَّةً تُرَسِّخُ مَفْهُومَ التَّعَلُّمِ المُتَعَدِّدِ الأَبْعَادِ فِي سِيَاقٍ سَرْدِيٍّ شَيِّقٍ.
٧. العَلاقَاتُ الإِنْسَانِيَّةُ فِي الرِّوَايَةِ: تُجَسِّدُ الروايةُ العَلاقاتِ الإِنْسَانِيَّةَ من خلال عددٍ من القيمِ الأساسية، أبرزُها الصَّدَاقَةُ الحَقِيقِيَّةُ المبنيةُ على الدعمِ المتبادلِ والتكاملِ في المهاراتِ بينَ الأطفال، كما تُبرزُ قيمةَ العَمَلِ الجَمَاعِيِّ من خلال تخطيطِ الأطفالِ للهروبِ بعدَ حادثةِ الخطفِ، واشتراكِهم جميعًا في رسمِ الخريطةِ كوسيلةٍ للنجاة. وتُسَلِّطُ الضوءَ على الإِحْسَاسِ بِالمَسْؤُولِيَّةِ المُبَكِّرَةِ، إذ يتصرَّفُ الأطفالُ بوعيٍ في مواجهةِ أزمةٍ خطيرةٍ دونَ انهيارٍ أو هلع. وتختتمُ الروايةُ هذه القيمَ الإنسانيةَ برسالةٍ مؤثرةٍ عن الاِعْتِرَافِ بِالفَضْلِ، حيثُ تكْرَمُ المدرسة الأب راشد في تجسيدٍ رمزيٍّ لقيمةِ الاعترافِ بأهلِ الفضلِ، وتكسر الصورةِ النمطيةِ عن “أبطالِ الصدفةِ”
الرِّسَالَةُ النِّهَائِيَّةُ: “ارْسُمُوا خَرَائِطَ لِكُلِّ شَيْءٍ”
إنَّ رَسْمَ الخَرَائِط لا يَعْنِي الجُغْرَافِيَا فَقَطْ، إِنَّه رُؤْيَةٌ مُنَظَّمَةٌ لِلْعَالَمِ، دَعْوَةٌ لِتَوْثِيقِ الذَّاكِرَةِ، لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى التُّرَاثِ، لِلأَكْلِ الشَّعْبِيِّ، لِلأَزْيَاءِ، لِلأَمَاكِنِ، وَلِلشَّخْصِيَّاتِ. إِنَّهَا دَعْوَةٌ لِبِنَاءِ وَعْيٍ عَمِيقٍ وَأَصِيلٍ، بِالمَكَانِ، بِالثَّقَافَةِ. وَهُوَ مَا يَحْتَاجُهُ الجيل الجَدِيدُ فِي مُوَاجَهَةِ عَالَمٍ سَرِيعِ التَّغَيُّرِ. هذه الراوية تضع أَمَامَ هذا الجيل سُؤَالًا جِذْرِيًّا: هَلْ تَرْسُمُ خَرِيطَتَكَ أَنْتَ، أَمْ تَسِيرُ عَلَى خَرِيطَةٍ غَيْرِكَ؟