

في أعمال الفنان السوداني أبوبكر مصطفى الشريف، يتوهج عالم الموزاييك كأنشودة بصرية تنسج تفاصيلها من الضوء واللون والذاكرة. فكل قطعة سيراميك أو زجاج تتحول بين يديه إلى نبضة حيّة، لتشكل لوحات تنتمي بعمق إلى وجدان السودان وتراثه، وتتقاطع فيها عناصر الشعبية والتاريخية مع حساسية تشكيلية معاصرة.
ولد أبوبكر الشريف في مدينة الكدرو، شمال الخرطوم، حيث تشكلت ملامح موهبته الأولى بين براعة والده في الخط، وحرفية والدته في الكروشيه وصناعة السعف الملوّن. كانت تلك البيئة نواة لتجاربه المبكرة في إعادة التدوير وصناعة المجسمات الصغيرة. لاحقًا، وبعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا، اكتشف عالم الموزاييك فوقع أسيرًا لسحره، وأدرك أنه وجد الخيط الذي سيقوده إلى صياغة رؤيته الفنية. ومنذ لقائه الفنان التشكيلي السوداني المقيم في القاهرة، عادل كبيدة عام 2007، تعمّق في هذا الفن وتعلّم أسراره من التصميم إلى التركيب، فبدأت رحلته الحقيقية مع الموزاييك.


من خلال مشاركاته في الملتقيات والورش الدولية، من مكتبة الإسكندرية إلى تونس والإمارات، لم يكتفِ بعرض تجربته بل حرص أيضًا على نشر هذا الفن وتعليمه للأجيال الجديدة، مؤمنًا بدوره في ترسيخ الموزاييك كجسر ثقافي يربط السودان بالعالم.
إن تجربة أبوبكر الشريف هي منجز فني واستعادة متجددة لذاكرة الشعب السوداني في صورة موزاييك معاصر. أعماله تجمع الشظايا لتصنع صورة كبرى للهوية والحلم، وتؤكد أن الفن قادر على لملمة التفاصيل الصغيرة في بناء بصري مهيب، يضيء التاريخ ويجمل الحاضر.
كمال هاشم. سبتمبر 2025