

تستوقفنا تجربة الفنان التشكيلي السوداني حاتم فاضلابي لكونها مشروعًا متفردًا يزاوج بين الحرفة العالية والخيال الشعبي المتوارث، لتبدو لوحاته كأنها امتداد حيّ لحكايات الحبوبات (الجدات) في ليالي القرى المقمرة، تلك الحكايات التي تمزج بين الحكمة الشعبية والأسطورة، بين الواقع والرمز. فالفنان يشيّد عالمه البصري على بنية قرافيكية متينة تتناوب فيها الصرامة مع العذوبة، حيث يتجاور الخط والتنقيط في حوار داخلي يذكّر بإيقاع الحكاية حين تُروى على مهل، وتترك وراءها أصداءً أبعد من حدود المشهد.

وفي هذه البنية، لا تظهر العلامات التشكيلية كتفاصيل زخرفية، إذ يقتحم التنقيط والخطوط المتقاطعة بنية التكوين ليولدا توترًا تعبيريًا مضاعفًا. بذلك تصبح اللوحة فضاءً للأسئلة أكثر من كونها إجابات، فضاءً يستدعي القلق والتأويل، ويضع المتلقي في مواجهة ذاته وهويته، كما يضع السوداني أمام مرآة تعدديته وحلمه وصراعه المستمر.

تغدو أعمال فاضلابي في النهاية سردية كبرى للذات السودانية، متحررة من قيود الزمن والمكان، عابرة للتقليد دون أن تنكره. إننا أمام فنان يحول الحكاية الشعبية إلى بنية تشكيلية حديثة، ويجعل من الحرفة بوابة إلى الشعرية، ومن الرسم أداة لاستنطاق الذاكرة الجمعية، في رحلة بصرية تقف عند تخوم الحلم وتفتحه على احتمالات لا تنتهي.
كمال هاشم. سبتمبر 2025