جاليريشخصيات

علاءالدين عبدالرازق: أنشودة اللون والحرية

بقلم الفنان والناقد كمال هاشم

 

علاءالدين عبدالرازق

علاءالدين عبدالرازق عبدالرحمن صالح، الفنان التشكيلي والمصمم الإيضاحي المولود بمدينة رفاعة عام 1969، يمثل أحد الأصوات البارزة في التشكيل السوداني المعاصر. تخرّج في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا عام 1994، ومنذ انطلاقته الأولى حمل قناعته بأن الفن لا يُختزل في جماليات بصرية أو نزعة زخرفية، بل هو لغة كونية، قادرة على تجاوز الحواجز الثقافية واللغوية لتُعبّر عن قيم إنسانية راسخة مثل الحرية والكرامة والعدالة.

ارتبطت تجربته بعمق بالواقع الاجتماعي والسياسي السوداني، فقد عمل في الإدارة العامة لشؤون النازحين كضابط للمخيمات، ما جعله شاهداً مباشراً على جراح الحرب وآلام النزوح. هذه التجربة الإنسانية تحوّلت إلى طاقة تشكيلية عميقة انعكست على أعماله، حيث صارت اللوحة عنده معادلاً بصرياً للذاكرة الجمعية ولأوجاع المهمشين والمنفيين. شخصياته لا تُقرأ كصور فوتوغرافية للواقع، بل بوصفها استعارات رمزية لوجود إنساني مفعم بالقلق والانتماء والحركة، وكأنها أرواح تخرج من سطح اللوحة لتضع المشاهد أمام مرآة ذاته.

من الناحية التشكيلية، يتسم أسلوب علاءالدين بالتوازن المدهش بين التشخيص والتجريد. فهو لا يستسلم لواقعية باردة، ولا يغرق في تجريد مطلق، بل يبدع لغة وسيطة تسمح بتكثيف المعنى وإطلاق الخيال. اللون عنده عنصر مهيمن، يستخدمه بكثافة وحرية ليترجم انفعالات داخلية ورؤى فكرية، حيث يرمز الأحمر إلى الاحتدام والصراع، بينما يمنح الأزرق والفيروزي بعداً روحياً وحالة من التأمل. الخطوط بدورها مرنة ومتحررة، تنصهر مع الكتل اللونية لتصنع إيقاعاً بصرياً نابضاً بالحياة، فيما يتحوّل الفراغ إلى مجال دلالي فاعل، ليس خلفية محايدة بل فضاءً يعمّق توتر العلاقات البصرية ويوسّع أفق القراءة. أما الملمس، فيشكّل بعداً حسياً بارزاً، إذ تتراكم طبقات اللون على السطح لتمنح العمل كثافة مادية، تجعل اللوحة وثيقةً بصرية وحسية في آن واحد، تحمل أثر الزمن وتستدعي الذاكرة.

تجربته تعكس وعياً حاداً بجدلية العلاقة بين التراث السوداني وروح الحداثة. فهو يستعير من الحداثة نزعتها للتجاوز والانفتاح، لكنه يظل متشبثاً بجذور تراثه العميقة، فتغدو أعماله جسراً بين الرمزية الشعبية واللغة التشكيلية المعاصرة. إنّ حضوره الفني لا يتوقف عند حدود الجماليات، لكنه يفتح اللوحة كساحة للجدل مع أسئلة الهوية والحرية والعدالة، مذكّراً بأن الفن قادر على أن يكون مرآة للضمير الجمعي وصرخة إنسانية لا تهدأ.

كمال هاشم. سبتمبر 2025

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى