
في قصر الثقافة مفدي زكرياء بالجمهورية الجزائرية ، تتفتح نوافذ اللون والروح على معرض الفنان التشكيلي مراد عبد اللاوي ، الذي اختار لمعرضه عنوانا شاعريا يهمس من أعماق الصمت : ( أحلام الصمت ) . منذ الخامس عشر من أكتوبر 2025 وحتى الخامس عشر من نوفمبر ، تتماهى جدران القصر مع لوحات تستبطن ذاكرة الضوء ، وتعيد صياغة العلاقة بين اللون والوجدان ، بين الشكل والغياب .
يعرض الفنان في هذه التجربة جزءا من ملامح بحثه الأخير ، في لوحات تجريدية معاصرة تنبض بطاقة داخلية لا تهدأ . لوحات تتكلم بملمسها السميك ، بتباين الأصفر المضيء مع الترابيّ الداكن ، في حوار بصري يستدرج العين إلى تخوم التأمل ، ويمنح المتلقي إحساسا بالحركة الدرامية ، كأن اللون نفسه يتنفس ويبوح بما لا يُقال . عبقرية عبد اللاوي تتجلى في هذا الوعي اللوني الذي لا يكتفي بالإبهار البصري ، إنما يفتح الباب أمام تجربة شعورية عميقة ، تجعل من اللون أداة لا للتزيين ، بل للكشف والبوح .
وقد شهد المعرض حضورا نوعيا من فنانين ونقاد ودارسين ، اجتمعوا على دهشة التجربة وفرادتها . فالفنان لا يرسم العالم كما يُرى ، بل كما يُحَسّ ويُتذكر ، يزاوج بين التجريد والروحاني ، ويحوّل الرمادي إلى صوت خافت يتكلم عن الإنسان وجرحه ، عن الذاكرة التي لم تهدأ بعد. في لوحاته ، يصبح الرمادي لونا للحكمة ، وبوصلة للرؤية ، ومفتاحا بصريا يفتح مساحات الصمت على احتمالات الوجود .
يمضي مراد عبد اللاوي في مسيرته الفنية بوعي جماليّ متجدد ، يبتعد عن الزخرف السطحي ليتوغل في العمق الإنساني ، كمن ينحت اللون في الذاكرة لا على القماش . هكذا ، يتحول أحلام الصمت من معرض تشكيلي إلى تجربة روحية مفتوحة ، يتقاطع فيها الفن مع التأمل ، واللون مع الكلمة غير المنطوقة ، ليصبح الجمال شكلاً من أشكال الإنصات إلى نبض الإنسان .