
الكلمة التي كتبها اليوم الصديق المترجم الكبير  إبراهيم استنبولي هي رثاء إنساني وشاعري عميق للشاعر الداغستاني العظيم رسول حمزاتوف، بعنوانٍ غير معلن يمكن تسميته:
«رسول لم يمت»
يحوّل إبراهيم استنبولي خبر وفاة حمزاتوف إلى قصيدة وجودية تتجاوز الموت المادي نحو خلود الروح في الطبيعة والذاكرة. يبدأ النص بصوت الواقعة: «صرخ أول تساداً، كررت الصحف، نعقت الإذاعات: رسول مات..»
 لكن سرعان ما ينقلب المشهد إلى نفيٍ شعري للموت، حين يقول:
«لكنها صاحتْ، وبيحكم، الجبليُّ لم يمتْ، الجبليُّ لا يموتْ…»
في هذا التكرار يتجلى الإيقاع الدائري الذي يشبه الأناشيد الجبلية، ويعيد صدى الخلود في الجبال والوديان والطبيعة، حيث يصبح الشاعر جزءًا من الكون:
«رسول حيٌّ في كل شجرةٍ، جبلٍ، وكل دربٍ، في كل “آول”» (أي قرية داغستانية).
إنها قصيدة وفاء تتجاوز الرثاء إلى التماهي؛ إذ يرى استنبولي أن رسول حمزاتوف لم يكن فردًا، بل رمزًا للإنسان الكوني الذي يذوب في لغته وأرضه وناسه.
 المقتطفات القصيرة جدًا من ديوان «قلبي في الجبال» للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف بترجمة إبراهيم استنبولي، وهي تعكس روحه الإنسانية العميقة وعلاقته بالوطن والطبيعة:

1. عن الوطن:
«أنا داغستانيٌّ، وحيثما ذهبت،
 أسمع خفقان قلبي يردّد اسمها.»
2. عن الشعر:
«الشاعر لا يُختار،
 بل يُبعث من رحم الألم.»
3. عن الأم:
«أمّي كانت جبلاً،
 كلّما تعبتُ احتميتُ بظلّها.»
4. عن الجبال:
«في الجبال لا يتعلّم المرء الصمت،
 بل الإصغاء إلى صدى قلبه.»
5. عن الإنسان:
«ما أغربَ هذا العالم،
 ينسى الإنسان جذره، ثمّ يسأل: من أنا؟»
🔹 رسول حمزاتوف (1923 – 2003)
رسول حمزاتوف شاعرٌ وإنسانيٌّ عالمي، وُلد في قرية تسادا في جمهورية داغستان القوقازية، وهو ابن الشاعر الشعبي حمزة تساداسا الذي كان له تأثير كبير في تكوينه الأدبي والوطني. كتب حمزاتوف بلغته الأم الأفارية، ثم تُرجمت أعماله إلى الروسية ومنها إلى لغات العالم، لتجعله أحد أبرز الأصوات الشعرية في القرن العشرين.
تخرّج في معهد غوركي للأدب في موسكو عام 1950، وهناك تفتحت آفاقه الشعرية على التجارب الإنسانية الواسعة، لكنه ظلّ وفيًّا لجذوره الجبلية التي شكّلت روح قصيدته وضميرها.
أصدر العديد من الدواوين، أشهرها:
- بلدي داغستان (كتابه الأشهر الذي يجمع بين النثر والشعر والتأملات الفلسفية).
 - قلبي في الجبال
 - أغاني داغستان
 - نجمة الجبال
 
امتاز شعره بالبساطة العميقة، إذ جمع بين الحكمة الشعبية والروح الفلسفية، وغلب عليه الحب، والوفاء، والكرامة الإنسانية. كان يرى في الشعر وسيلة لحماية القيم الروحية من زيف العصر، وفي الإنسان كائنًا كونيًا لا يُقاس بجنس أو عرق.
نال جائزة لينين وجائزة الدولة السوفييتية، وكان نائبًا في مجلس السوفييت الأعلى، لكنه بقي أقرب إلى الناس من أي سلطة، إذ ظلّ صوته صوت الجبل والضمير.
توفي رسول حمزاتوف في 3 نوفمبر 2003، لكن صدى كلماته ما زال يرنّ في الوديان والقلوب، كما قال مترجمه إبراهيم استنبولي:
«الجبليّ لا يموت».
 


