

اجتمع الشعب المصري العظيم على أرض الوطن وفي المهجر في سيمفونية تاريخية متناغمة، ليشهدوا حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، وليسطّروا صفحات جديدة في كتاب التاريخ الذي طالما كان مزيّناً بأحداث وإنجازات وشخصيات حملت هوية هذا البلد العريق، وليؤكدوا للعالم أن القومية المصرية ضاربة في عمق التاريخ، إنها سبعة آلاف عام من الحضارة تضافرت وكان حصيلتها هو الإنسان المصري الذي يقف اليوم ليحتفل ويشارك العالم أجمع هذا الصرح العظيم.
افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسمياً المتحف المصري الكبير، وهو واحد من أهم وأضخم وأعظم المتاحف في العالم، في احتفالية مهيبة ضمّت كوكبة غير مسبوقة من ملوك وأمراء ورؤساء دول العالم، فقد حضر ٧٩ وفداً رسمياً من دول العالم، من بينها ٣٩ وفداً برئاسة ملوك وأمراء وأولياء عهود ورؤساء دول، حيث شارك من الأسر الحاكمة من: إسبانيا، الدنمارك، بلجيكا، الأردن، البحرين، سلطنة عمان، الإمارات، لوكسمبورغ، السعودية، موناكو، اليابان، تايلاند.
كما شارك عدد من رؤساء دول حول العالم في هذا المشهد التاريخي العريق، فحضر رئيس كل من: فلسطين، ألمانيا، الكونغو الديمقراطية، غانا، إريتريا، المجلس الرئاسي الليبي، مجلس القيادة اليمني، البرتغال، جيبوتي، الصومال، غينيا الاستوائية، قبرص، كولومبيا، بلغاريا، كرواتيا وألبانيا. بالإضافة إلى رؤساء وزراء عدة دول من بينها: اليونان، المجر، الكويت. كذلك شاركت بالحضور منظمات إقليمية ودولية: الأمين العام لجامعة الدول العربية، رئيس البرلمان العربي، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، الممثل السامي لتحالف الحضارات، رئيس وكالة الجايكا.
وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطاباً تاريخياً لشعوب العالم جاء فيه:
“أستهل كلمتي بالترحيب بكم على أرض مصر، أقدم دولة عرفها التاريخ، هنا حيث خطّت الحضارة أول حروفها، وشهدت الدنيا ميلاد الفن والفكر والكتابة والعقيدة.”

وأشار سيادته إلى أن هذا الصرح العظيم ليس مجرد مكان لحفظ الآثار النفيسة، بل شهادة حيّة على عبقرية الإنسان المصري، وصورة مجسّمة لمسيرة شعب سكن أرض النيل منذ فجر التاريخ.
يقع المتحف المصري الكبير على هضبة الجيزة، وعلى بُعد نحو كيلومترين من منطقة أهرامات الجيزة، الأمر الذي يجعله قريباً جداً من واحد من أهم مواقع التراث العالمي. ويتمحور المتحف عند بداية طريق (القاهرة/الإسكندرية) الصحراوي، ويطل على بانوراما أهرامات الجيزة الثلاثة (خوفو وخفرع ومنقرع).
خلفية تاريخية عن الصرح العظيم
تعود فكرة المتحف المصري الكبير إلى عام ١٩٩٢، وقد وضع الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك حجر الأساس لهذا المتحف مع وزير الثقافة المصري آنذاك الدكتور الفنان فاروق حسني عام ٢٠٠٢، وذلك عقب الإعلان عن مسابقة معمارية دولية برعاية اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين لاختيار التصميم الفائز.
وقد فازت شركة (هينجان بنج) للمهندسين المعماريين بالمسابقة والتصميم الأفضل، وانطلق العمل في بناء المتحف في شهر مايو/أيار ٢٠٠٥.
وقد استُتبع ذلك بتدشين العديد من الصروح الثقافية والعلمية لتواكب هذا المشروع العملاق، حيث أُعلن عام ٢٠٠٦ عن إنشاء أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، والذي تم افتتاحه عام ٢٠١٠، وخصّص لترميم وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المقرّر عرضها في المتحف.
وقد كان الدكتور فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، حاضراً وشاهداً على مراسم الافتتاح، وقد ألقى كلمة مؤثرة تروي للعالم وللأجيال الجديدة من شباب مصر كيف تحوّل الحلم إلى حقيقة، وقد كانت عيناه ممتلئتين بالفرح والشغف والحب الكبير للوطن الأم مصر، حاضرة الزمان والمكان.
بعد توقف دام حوالي ست سنوات، أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، وفي عام ٢٠٢٠ صدر قانون بتنظيم هيئة المتحف باعتبارها هيئة اقتصادية وجهة حكومية تقدم خدمات عامة، مع استقلالية مالية وإدارية، وتتبع الوزير المختص بشؤون الآثار.
وأخيراً، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً بتشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصري الكبير برئاسته، وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والخبراء الدوليين والمحليين.
الإنسان المصري هو سرّ الحضارة وبانيها عبر التاريخ
شارك في حفل الافتتاح كوكبة من المبدعين والمفكرين والعلماء والسياسيين الذين يحملون راية الوطن ويرفعون مكانته لتطال عنان السماء.
وقد كان اختيار الجراح البروفيسور سير مجدي يعقوب ليتحدث عن نبوغ المصري القديم في مجال الطب والجراحة، وكيف أن المصريين عبر التاريخ كانوا يعتبرون الطب مهنة مقدسة تمزج بين الروح والجسد، وهو نموذج حي لاستمرار العطاء ولإعلاء قيمة الإنسانية قبل اللون والدين والعرق.
أكد الدكتور المصري خالد العناني، المدير العام لمنظمة اليونسكو، في كلمته قائلاً:
“إن المتحف المصري الكبير يمثل نقطة التقاء نادرة بين الماضي والمستقبل؛ إذ يُقدَّم فيه التاريخ ليس كأثر ساكن، بل كقوة ملهمة تحرك الفكر الإنساني وتدفعه نحو الابتكار.”

أبهرت عازفتا الكمان المصريتان أميرة ومريم أبو زهرة الحضور بعزفهما الرائع في حفل الافتتاح، حتى إن الرئيس الألماني وزوجته حرصا على التقاط الصور التذكارية معهما، وهما حفيدتا الفنان المصري الكبير عبد الرحمن أبو زهرة.
كما قدَّمت السوبرانو المصرية فاطمة سعيد فقرةً غنائيةً بتوزيعاتٍ موسيقيةٍ تحمل عبق الشرق والغرب معًا، تحت قيادة المايسترو المصري العالمي ناير ناجي.
 وقد نالت السوبرانو فاطمة سعيد خلال مسيرتها العديد من الجوائز الدولية في الغناء الأوبرالي، مثل جائزة نيلي ميريمان وجائزة فرانشيسكو فينوتشي، كما لمع اسمها في مسارح أوروبا، وهي أول سوبرانو مصرية تنضم إلى أكاديمية لاسكالا في ميلانو.
وكان حضور المرأة راسخًا عبر التاريخ المصري العريق، القديم والحديث، حيث ظهرت السيدة الأولى انتصار السيسي بزيٍّ فرعونيٍّ غايةٍ في الأناقة، وشاركت أبناء مصر فرحتهم، مؤكِّدةً دور المرأة المصرية الكبير عبر السنين.
كما شاركت العديد من الإعلاميات، مثل المذيعة هند الضاوي، ولاعبة الكاراتيه الأولمبية فريال أشرف، المعروفة بـ«فتاة مصر الذهبية» لحصولها على الميدالية الذهبية في أولمبياد طوكيو 2020، والفنانة هدى المفتي، وغيرهن، في المواكب الفرعونية البديعة التي ظهرت في العرض الافتتاحي المبهر.
وشاركت مصممة الأزياء نورا عزازي في تصميم الملابس الفرعونية المبهرة التي ظهرت بها الممثلة ياسمينا العبد، والمطربة المصرية العالمية شيرين أحمد طارق، في منظومةٍ متناغمةٍ جمعت بين الفن والرياضة والإعلام وتصميم الأزياء وكافة مناحي الحياة على أرض وادي النيل.
المتحف المصري الكبير ملكٌ للبشرية جمعاء.
وتأكيدًا لهذه الفكرة الإنسانية العظيمة، تسلَّم كلُّ قائدٍ من قادة العالم المشاركين في حفل الافتتاح نموذجًا مصغَّرًا لجزءٍ من المتحف الكبير يحمل اسم دولته، ووضعه بيده في مكانه المحدَّد داخل مجسَّمٍ ضخمٍ للمشروع العملاق، قبل أن يضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القطعة الأخيرة في المجسَّم، والتي تمثِّل اسم مصر، مُعلنًا رسميًا افتتاح المتحف المصري الكبير.
 



