

فكرت كثيرا قبل أن أدلق ذاكرتي السائلة هذه خلف منزلي كي أتحرر من سطوتها.. أنا لا أعرف كيف أراوغها كي تتركني ألبس سترتي دون أن تذكرني بتاريخ شرائها أوماحدث لي من فتاة الحانة الماجنة حين حاولت خلع بنطالي لترى نصف عقل الرجل كما قالت
كي تتركني أسير في الطريق دون تذكر المساحات الخالية التي شغرت بأعمدة الكهرباء المظلمة في دروب قريتي
كي يمتليء خزان الذاكرة لمدة يوم واحد فقط وأقابل العالم كل صباح بوجه جديد وبذاكرة بيضاء
أنا لا يضيرني اليوم الفائت ولا أود تذكره.. أود أن أكون رائحة تهب وسرعان ما تتلاشى وتتجدد
أو سحابة حبلى تمطر قبل الظلام
أنا جدران خزان ذاكرتي أملس
لاتعلق على سطحه أتربة الناس
هكذا كنت أتمنى
لهذا نمت بذور ذاكرتي كأشجار كثيفة
كغابة من كل مامضى لايعرف سبيلها سواي
أنظر إليها كل مساء كي أرقب ما يحدث بها
هل ستنمحي الصغائر التي حدثت
أو تتبدد الألام التي كبرت وهرمت
هل نمى الشوق كشجرة شوك
أرى رجالا تجري في دروب ذاكرتي اللعينة وصبية يقذفونهم بالحجارة
ورجلا أربعينى يتبول في ركن مظلم بجوار فص دماغي الأيسر
وامرأة تخلع ملابسها لصبي بجوار فص دماغي الأيمن
وفتاة تشي بعشيقها لأمن الجامعة في قاعة الجمجمة
أراني هناك أعلق على الأشجار سراويل داخلية لنساء منتقبات
أحفر جدولا للحيوانات المنوية من مراحيض مقرات الأحزاب ومعسكرات التدريب ليروي شتلات ذاكرتي الشيطانية
أبني أضرحة عالية لحيوانات نافقة
و مقاما لشيخ نحيل كان يصلي بالناس دون سروال
ذاكرتي هذه صاخبة وشاحبة تقلقني كل منام.. رغم أني أسد كل الشرفات التي تطل عليٌ
وأتسلل خفية منها كل صباح
وأغلق عليها بسياج له باب
يحرسها كلب ابن كلب ابن كلب مقدس
ذاكرتي أراها ماجنة وأحيانا عاهرة دلقتها خلف داري ربما تمتصها الأرض
أو ربما يرحل الماضي لتتفرق الصور و الحكايات
أو ربما ألقي عليها عود ثقاب
لتشتعل وتغيب


