
مع اقتراب عام 2025 من نهايته، تقف مجلة مؤتمر الصحفيين الأفارقة الدولية مرة أخرى عند مفترق طرق الثقافات والأفكار والقصص الإنسانية؛ تلك الخيوط التي تنسج معًا اللوحة الكبرى لعالمنا المشترك. يجمع هذا العدد الشتوي أصواتًا من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، مؤكدًا أن الصحافة كانت وستبقى سفينة للفهم الإنساني.
نبدأ الرحلة من عالم الطهو والثقافة والبشر. فـ”حديقة الكرز” الذي يحمل اسم تشيري مؤسسته، وهو المطعم الكوري الذي تديره الكاتبة والمسافرة لي يون-سيل، يقدم أكثر من مجرد وجبة؛ إنه فلسفة عالمية ترى في المائدة منصة تلتقي عندها الحضارات. من خلال مطبخ يحتضن النباتيين والمسلمين ومحبي النكهات الكورية، تثبت “تشيري” أن الضيافة يمكن أن تكون دبلوماسية، وأن الطعام قد يكون حوارًا سلميًّا بلا كلمات. في عالم غالبًا ما ينقسم أمام الهويات والمعتقدات، تدعونا “حديقة الكرز” إلى الجلوس والاستماع والتشارك.
ومن دفء المائدة ننتقل إلى قسوة القوقاز في رواية “جان“ للروائي الشركسي راسم رشدي، كما تقدمها قراءة د. إيمان بقاعي. تكشف الرواية عن صراع الشركس التاريخي ضد الغزو الإمبراطوري، ليس بوصفه حربًا فقط، بل كأرشيف للذاكرة. فالأدب هنا يصبح ملاذًا لشعب جريح، يحمل أسماء شهدائه وحكايات معاركه ووطنه المفقود. من خلال مأساة جان، يواجه القارئ سؤالًا أبديًا: كيف يدافع شعب صغير عن كرامته أمام قوة طاغية؟
ويشهد هذا الشهر أيضًا احتفالًا عالميًا باختيار د. ألكسندرا فاسيليفنا أوتشيروفا شخصية العام لسلسلة إبداعات طريق الحرير 2025. مسيرتها الممتدة في الفلسفة والشعر والحوار الثقافي تجسّد جوهر طريق الحرير: جسورٌ لا حواجز، وجمالٌ مشترك لا انقسام. وكما يروي د. أشرف أبو اليزيد، فإن تكريمها هو تكريم لدور الفن في مداواة عالم منقسم.

وفي ملف الاقتصاد، نستمع إلى رؤية د. ضياء حلمي حول الزخم الذي تضخه الصين في ازدهار العالم، وخاصة الجنوب العالمي. من خلال نموذجها التنموي وشراكتها مع مصر، تُعيد الصين تشكيل مسارات التعاون والفرص الاقتصادية.
أما عشّاق السينما فيستمتعون بلمسة وفاء تقدّمها أولجا خفستونوفا في ذكرى مرور 100 عام على ميلاد الأسطورة راج كابور، رمز السينما الهندية وصديق الشعوب. أفلامه المبهجة، المليئة بالموسيقى والعدالة والأمل، لم تكن مجرد ترفيه؛ بل كانت جسرًا ثقافيًا بين الأمم.
وتتقدم مصر نحو المستقبل في مقال “الضبعة تنتظر النور“ لأحمد سعيد طنطاوي، حيث يتحول مشروع الطاقة النووية إلى استعارة لمسار أمة تختار ضوءها بوعي وإصرار.

وفي الأدب، تأخذنا قصة أحمد عامر من مجموعته (عين سحرية تطل على خرابة) في رحلة داخلية مؤلمة، حيث تتبدد الكلمات وتنكسر الذاكرة وتتشكّل الروح من جديد تحت وطأة الفقد والحنين. وتنتهي القصة بعودة كلمة واحدة إلى الحياة: “الوطن”، كصرخة يقظة واستعادة صوت.
وتتسع عدستنا عالميًا في مقال ف. كليكوف حول صورة عالم المستقبل وإنسانه، محذرًا من كارثة بيئية وأخلاقية إن واصل البشر تدمير الكوكب، بينما يقدّم ديلا أهيور رؤية أكثر تفاؤلًا حول الصعود المتسارع للإدماج المالي الرقمي في أفريقيا جنوب الصحراء.
على امتداد هذه الصفحات يتردد صدى حقيقة واحدة: المستقبل سيملكه من يبني ويصل ويعتني. ومع دخول عام 2026، تجدد CAJ التزامها برواية القصص التي تدفع الإنسانية خطوة نحو الأمام.



