أحداثجاليريشخصيات

الديك المخادع وراية المقاومة

مهرجان الأراجوز يُجدد روح التراث في بيت السناري

في مساء قاهري مفعم بالأصالة والكرامة، أضاء بيت السناري في حي السيدة زينب شعلة اليوم الثاني من الدورة الرابعة لمهرجان الأراجوز المصري، تحت شعارين يتكاملان في العمق والمعنى: “اقتصاديات التراث” و “التراث مقاومة” ، تأكيدًا على أن الفن الشعبي ليس زينة للماضي، بل درع من دروع الحاضر في مواجهة الاستلاب والتشويه.

التراث كمقاومة فكرية

استهلت الأمسية بندوة فكرية حملت عنوان “التراث مقاومة”، قدّم فيها الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية، ورقة غنية بالتحليل، تناولت كيف تحوّلت الأغنية الشعبية إلى جبهة نضال لا تقل شأنًا عن البنادق. تحدّث عن الأغنيات التي رافقت المصريين في لحظات الانكسار والانتصار، من “يابيوت السويس” إلى “خلي السلاح صاحي”، مؤكدًا أن هذه الأعمال لم تكن مجرد أناشيد عابرة، بل صوت الضمير الجمعي في لحظات المصير.

د. محمد شحاتة العمدة في ندوة “المقاومة في السير الشعبية”
بصحبة الدكتور نبيل بهجت، ببيت السناري

وعقّب على الندوة الدكتور محمد شحاتة العمدة، المتخصص في الأدب الشعبي، مستعرضًا الأثر الرمزي لـ”السير الشعبية” التي صاغت وجدان المقاومة من خلال أبطال متخيّلين كالظاهر بيبرس، وعلي الزيبق، والأميرة ذات الهمة. وبيّن كيف ساعدت هذه الشخصيات الخيالية في تعزيز الروح الجماعية لدى البسطاء، فكانت ملاذًا رمزيًا ومخزونًا ثقافيًا يشحذ الإرادة الشعبية ضد القهر والاستعمار.

الديك المخادع وراية المقاومة: مهرجان الأراجوز يُجدد روح التراث في بيت السناري

مسرحية “الديك الهادر الغادر”: حين يتحوّل الحكاية إلى موقف

ثم جاء العرض المسرحي “الديك الهادر الغادر” من تأليف الكاتب الفلسطيني غنام غنام، وإخراج الدكتور نبيل بهجت، ليقدّم مسرحًا فرجويًا بامتياز، يعكس عُمق السخرية الشعبية وذكاء الحكاية المتوارثة. جسّد الفنان علي أبو زيد سليمان شخصية الحكواتي، فيما تألق مصطفى الصباغ في دور الديك، وهو من قام أيضًا بتصميم الدمية ببراعة. وقدّم محمود سيد شخصية أبو محمد، وأم أحمد، في إطار بصري صمّمه نور ترفاوي.

يروي العرض قصة ديك متصنّع يتلاعب بأهل قرية “بيت الطين”، في استعارة واضحة لرموز الاستعمار، لكنه يُفضَح في النهاية عبر وعي الأطفال وتدخل الجمهور، ليغرس في الصغار أولى بذور الإدراك النقدي، ويرفع راية الحقيقة في وجه الباطل، حاثًّا على الدفاع عن الجماعة والحق والكرامة.

ختام ببهجة الأراجوز

اختُتمت الليلة بعروض الأراجوز التقليدية، حيث تعالت الضحكات، وتمازجت الحكمة باللعب، في طقس احتفالي يشهد أن هذا الفن العريق لا يزال حيًّا في قلوب الجماهير.
وقد بدا جليًّا من التفاعل الكبير أن الأراجوز لم يعد فقط إرثًا محفوظًا، بل صار وسيلة ثقافية حيّة، تُقاوم النسيان والظلم، وتُعيد تشكيل الوعي الجمعي بأساليب بسيطة وذكية، تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.

هكذا، لم يكن اليوم الثاني من مهرجان الأراجوز مجرد احتفاء بدمية قماشية، بل كان عرضًا حيًّا لروح مقاومة، تُغنّي، وتحكي، وتفضح، وتُعلّم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى