تجليات البوح فضفضات للوجع أنين للعزف المنفرد فى ” مختارات شعرية “للفيلسوف الشاعر ” أشرف أبو اليزيد ”
طارق عمران
رؤى نقدية طارق عمران
بالغوص والإبحار داخل قلب ” مختارات شعرية ” للفيلسوف الشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” تراه غارقا فى لجج الشعر ، فتنداح من قريحته شلالات الصور والتعابير فى سلاسة وعذوبة ويسر ، لتصل إلى حد التوحد مع ذاته ، ولا ينفصل أبدا عن تجاربه الشعرية ، فتخرج القصائد من بين ضلوعه كظفرات متوالية ، فى صرخات متتالية ، ثائرا غاضبا ، فيلسوفا حالما ، حكيما شاديا ، هو الشاعر النبى ، العارف العليم بكل تفاصيل الحكاية ، ويتضح لنا هذا جليا فى مختاراته الشعرية ، والتى أصدرها بتواريخ محددة ، فى أزمنة مختلفة ، بداية بعام ١٩٨٩ حتى عام ٢٠٢٤ ، مواكبا لإنتفاضة أطفال الحجارة للشعب الفلسطينى .
واصدر الديوان تحت عنوان ” وشوشة البحر ” والذى يبدأ بقصيدة ” الرؤيا ” وينتهى بقصيدة ” وشوشة البحر ” ويضم بين دفتيه عناوين متابينة هى ” الرؤيا – أغنية الندى – صور ملغومة – المدائن – مريم – لحظة بهرب الموت – أوراق تنثرها الريح – مسافر – وصية هوراشيو – الرسول – صلاة غير مقدسة – مشربية – نهر اللهب – قال زورق – وشوشة البحر ” . تتميز قصائد” مختارات شعرية ” للفيلسوف الرحالة الشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” بالطابع الفلسفى الإسانى ، حيث يغوص فى أعماق النفس البشرية ، ليخرج منها أثمن جواهرها ليطرزها داخل بنيان القصائد ، لتصبح النسيج الذى يصنع منه مادتة الشعرية ، فى تواصل حميم مع الذات الأخرى ، والتى لاينفصل عنها فى معظم كتاباته ، مرورا بتواريخ وأزمنة مختلفة متعاقبة ، بداها بعام ١٩٨٩ منتهيا بعام ٢٠٢٤ ، وما بينهما كانت هناك من الأحداث مايجعله يكتب لنا العديد من صنوف الإبداع ، مابين الشعر ، والرواية ، والترجمات ، والكتابة للطفل ، وأدب الرحلات ، والدراسات النقدية فى مجالات الفن التشكيلى ، والمقال الصحفى ، وترجمة أعماله إلى لغات مختلفة ، وتطوافه حول العالم ، وهو يرصد ويشهد من خلال منظاره المكبر ، لعوالم من حوله تتشظى وتتكثر وتختفى منها الإنسانية .
الولوج داخل عوالم الفيلسوف الشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” ولوجا محفوفا بالدهشة والمتعة والفرجة المسرحية ، ويتجلى هذا فى مسرحته لقصائد دواوينه ، حين يشرع بكتابة أشعاره فهو يبنى عوالمه الشعرية فى تؤده وروية ، وعند الشروع فى القراءة لقصائده فإنك تشاهد عرضا مسرحيا ، فشخوص كل قصائده تنبض بالحركة ، والصور الشعرية المركبة سريعة الحركة ، فتتأكد تماما أنك تجلس أمام شاشة للعرض السينمائى ، وليس بين دفتى كتاب بين يديك ، أو على أرفف مكتبتك .
هذه التقنية التى تفرد بها الشاعر الرحالة ” أشرف أبو اليزيد ” فى كتابته للقصائد أصابتنى بالدهشة وجعلتنى أقف واتأمل كثيرا ، كيف لهذه النصوص والقصائد الشعرية المفرطة بالشاعرية والغرائبية ، لم تتصدر مشهدنا الشعرى منذ زمن ، فهذه المختارات الشعرية تعد من روائع الشعر العربى خلال العقود الأربعة الأخيرة من عمر تاريخنا الشعرى المعاصر .
إن المختارات الشعرية للفيلسوف الرحالة الشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” إبن مدينة ” بها ” ، تعد من التجارب الشعرية الجديرة بالوقوف أمامها طويلا بالدراسة والتأمل والتحليل ، فهى حالة شاعرية تتوالد منها حالات أكثر عذوبة وشاعرية ودهشة ، فهى فى جوهرها شدوا ملحميا ، تفرد فيها تفردوا عجيبا ، وتمرد بها تمردا تعدى من خلاله كل أشكال التصوير الشعرى لسابقيه من الشعراء من السابقين لتجربة وللمعاصرين له ، كما أن للقضايا المطروحة والربط بينها برباط الرؤى الفلسفية متعددة الأوجه ، وهذا الطرح ليس على سبيل الفضفضة ، لكنه ينحت رؤاه بأزميل أفكاره ومعتقداته ، والتى أمن بها وصدقها حد البوح .
مثل هؤلاء الشعراء الفلاسفة الرحالة ، فهم يولدون ومعهم رسالة الكلمة ، تراهم يصدحون بها منذ ميلاد دواوينهم الأولى ، وهذا مانراه جليا وواضحها ساطعا كشمش الظهيرة فى ديوانه الأول ” وشوشة البحر ” الصادر عام ١٩٨٩ ، متزامنا مع الإنتفاضة لأطفال الحجارة ، مرورا بأزمنة متعددة حتى عام ٢٠٢٤ .
فى معظم قصائده يمتاح شاعرنا ” أشرف أبو اليزيذ ” من التراث والموروث مادته الحية النابضة بالصور والتعابير والتشبيه والمجاز وكل أشكال الكتابة الفنية ، حيث نراه يقوم بإستدعاء صورة البطل المنتصر من خلال القاذَئد ” صلاح الدين ” ومعركة ” حطين ” ليربط لنا بين ماكان وما أصبح وما سيكون مستقبلا ، نلحظ أن نسيج القصائد له يسير فى خطوط متوازية ، تتماشى تماما مع رسالة الشاعر ” النبى ” ، العارف والعالم بالحال والأحوال ، فى كتاباته دعوة صريحة للتغير ، وهى الرسالة التى أمن بها الشاعر حد التوحد .
حين نتصفح مابين أيدينا من ” مختارات شعرية ” للشاعر الرحالة ” أشرف أبو اليزيد ” الصادرة بين عامى ١٩٨٩ – ٢٠٢٤ ، لنرى الدليل القاطع الذى لا يقبل الشك ولا التأويل ، إننا نقف أمام قامة شعرية طاولت عنان سماوات القصيدة ، وهذه المختارات الشعرية تقف بين أهم الأعمال الشعرية التى صدرت لكبار شعرا العصر الحديث فى الشعر العربى .
إن الدهشه التى إحتوتنى وأدخلت على قلبى البهجة ، حين قرأت وأعدت القراءة ” للمختارات الشعرية ” للشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” ، هى نفس الدهشة التى أصابتنى لكونها من الكتابات التى لايخطها سوى الشاعر ” النبى ” الراغب فى الثورة على كل الموبيقات ، التى تسيطر على هذا العالم المأفون ليحلم لنا ولنفسه بعالم مثالى ، وأن طباعة هذه الأعمال فى طبعات محدودة وغير متاحة للجميع من الحالمين بالحرية ومن الطامحين للتغير ، من الثائرين على كل مايكبل الإنسانية بأغلال القهر والقمع والجور ، ليقتل ويسبى أطهر وأنبل مافينا لهو عين الظلم .
وحديثى هذا هو جرس تنبيه لكل القائمين على النشر فى كافة المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة والجمعيات والصالونات الثقافية ودور النشر الكبرى ، أن تتبنى وعلى التحديد إعادة طباعة ” مختارات شعرية الفيلسوف الشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” والذى آمن برسالة الشعر ، فهذه المختارات الشعرية ليست ملكا لفرد بعينه بل هى ملكا للإنسانية كلها ، وطباعتها لتكون مرجعا متاحا للأجيال القادمة ، وهذا يعد تراثا إنسانيا يجب المحافظة عليه ، وكذلك كل الأعمال التى تكون على نفس المستوى الفنى والإبداعى لكافة الشعراء والأدباء ، ولتكن البداية وتصحيح المسار بإعادة طباعة ” مختارات شعرية ” للشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” على أن تقام لها فاعليات كبرى لمناقشتها ، وأن يتناولها النقد الأدبي بعين اليقين ، وأن يتم إختيار بعض النماذج منها لوضعها في مقررات التعليم في المراحل المختلفة ، وأن تتاح هذه المختارات لطلاب أطروحات الرسائل العلمية بالجامعات والأكاديميات وطلاب الدراسات العليا .
أشرف أبو اليزيد
هذا ليس إنحيازا للشاعر ” أشرف أبو اليزيد ” بقدر ماهو إيمانا بتجربته الشعرية والتى إطلعت عليها كاملة ولأول مرة ، فوقعت فى غرامها مجبرا مختارا، فهى تشى لنا منذ الموهلة الأولى ، أننا أمام قامة أدبية متنوعة المصادر من شتى صنوف الإبداع الأدبى .
فالقصيدة لديه عرَزفا ملحميا مكتمل الأركان ، والصور الشعرية التى ينحتها فى قصائده ذات رؤى فلسفية ، يتداخل فيها الفن التشكيلى ، كونه أحد من يجيدون هذا الفن ويكتب عنه بكل تفاصيله ، فإنعكس هذا على تشكيلة للصورة البصرية داخل القصيدة ، فتراه وهو يخط القصيدة على الأوراق ، فهو يرسمها بأنامل فنان تشكيلى يجيد إستخدام أدواته بحرفية ، حين يتحدث عن الدماء ، فإنك تشاهد هذه الدماء فى صورة بصرية متحركة بكافة تفاصيلها وألوانها ، هذا هو الجديد الذى يتميز به شاعرنا الفيلسوف ” أشرف أبو اليزيد ” .
أضاف تقنية الحكى والسرد القصصى ، من خلال تمكنه من هذا الفن لكتابة الرواية ، فكانت القصائد سردا وحكيا دون أن يحدث ذلك خللا بالبناء الفنى للقصيدة ، فكان البناء شديد الإحكام حد الصرامة ، كما أن لترحاله في مدن العالم مختلفة الثقافات كان له أكبر الأثر في فلسفته لدور القصيدة فى تغيير المجتمعات الإنسانية للأفضل ، حيث رأى وعايش مجتمعات مختلفة الثقافات والعادات والمعتقدات والتقاليد والمعارف الشعبية المختلفة عن بعضها البعض ، فشكلت بداخله رؤى متعددة ، وأفرزت من خلال كتاباته أشكالا متباينة ومختلفة ، فلم يكن المعين الذى نهل منه الثقافة واحدا ، فكان فى تحليقة وطيران كالنحل ، يطوف في البساتين المختلفة ويجمع الرحيق من أجمل الزهور ، ليخرجه لنا عسلا مصفى ، هذا مافعله الشاعر الفيلسوف الرحالة ” أشرف أبو اليزيد ” من خلال مختاراته الشعرية .
ولنضرب بعض الأمثلة على مهارته فى إصطياد الصورة بمهارة ، فى ديوانه ” وشوشة البحر ” الصادر عام ١٩٨٩ ، وتاريخ الإصدار هام لنا جدا فهو يوحى لنا بأربعة عقود ماضية ، إستطاع أن يكتب لنا صورا غاية في الطزاجة البكارة ، وكانت حينها فتحا جديدا فى الكتابة الشعرية .
لقد نجح شاعرنا فى الإستهلال الجيد للقصيدة فى معظم ماخطه من أشعار ، حين يكون الإستهلال مصحوبا بالدهشة ، فإننا نجد أنفسنا أمام حالة من الإبداع المتدفق دون عناء ولا إصطناع ، بل نجد فى كتاباته إنسيابية ورشاقة للكلمة ، ويعزف على آلات وتربة بإيقاع متناغم.
يقول فى ص٧ أهب الطيور جناحها / والموج بحرا هادرا / أهب السماء سياجها القطنى ، أغزله ، أفك خيوطه مطرا / أطرزه بثوب الأرض… إلى قوله وأمد نحو مواقد التنور أشرعة البراءة والطهارة والفجاءة والجسارة أرتوى / وأفك طلسم الحجارة حين أتلو / إن فى رحم الحقيقة توأما / وأن حطين الكرامة أول أغنية الندى . فى هذه الصور المركبة المشبعة بعمق الدلالات اللفظية والرمزية والوجدانية ، حين يهب للطيور جناحها ، ويحيا البحر للموج ، وهى صورة َمعكوسة ، تماما لما آلت إليه حياتنا وواقعنا المعاش ، ثم يصل إلى ذروة التشبيه ليهب السماء سياجها القطنى شديد البياض والنصوع والسطوع ليغزله ، وهنا يحيل السحاب الأبيض إلى خيوط يغزلها ، ثم نأتى لجمال الوصف حين تتحول هذه الخيوط والتى تعادل السحاب الأبيض والغيمات إلى مطر ، حين يفك هذه الخيوط من بعضها البعض فتتحرر وتتساقط زخات من المطر ، ليطرزه حين يسقط هذا المطر ، فيتحول لطين أو تمتصه الأرض فى جوفها ، ونراه قد جاء بما هو غير مألوف ، وهو تطريز هذا المطر بثوب الأرض، لتحول الأرض لبساتين من الأزهار والسوسنات مع ندى الصباح ، لنصل للصورة الأكثر إتساعا وشمولية حين يقول ” وأمد نحو مواقد التنور / أشرعة البراءة والطهارة والجسارة أرتوى ” ليصل إلى قمة الهدف الذى يبحث عنه وهو ماخطه فى بداية القصيدة ، حين يفك طلسم الحجارة ، وهى إشارة واضحة وصريحة لإنتفاضة أطفال الحجارة ، فى قوله ” إن فى رحم الحقيقة توأما ” وكأن القضية والإنتفاضة هى الرحم الذى يحمل توأما ، وأن حطين الكرامة أول ، وهذا إستدعاء للتاريخ والامجاد والإنتصارات ،
فى ص٨ يقول فى صورة بديعة ” وأخبو ، ويحبو سؤال !! / قرابيننا حين تهدى، تموت / وأصواتنا حين تشدو تبح ” فى ص٩ فى” صور ملغومة ” يقول فى صورة غاية فى الشاعرية والغرائبية والتى هي فى حد ذاتها دهشة يقول ” فى الميدان رأيت / على الأرصفة الملساء ككف بحيريتنا / طفلا نزعوا منه فتيل براءته فتناثر شحاذا مهووسا منبوذا ” هكذا حول شاعرنا الطفل إلى قنبلة نزعوا منها فتيل براءته فتناثر شحاذا منبوذا ، يتسول الوطن ، ثم يصف لنا فى صورة أكثر إيلاما حين تدخل سيدة حانوتا وبعد حديثها للبائع تقول ” تتحدث للبائع / فيناولها من أحد الأرفف طفلا فى المهد يصيح / فتجلس ترضعه ” ، ويقول فى ص٩ ” فى الميدان العام الأكبر / الطفل المنبوذ يسير / تهرول سيدة / يصطدمان / فينفحران / فتغمر أرصفة الميدان دماء ساخنة / ماتلبث أن تتجمد ” هكذا تحول الطفل إلى بضاعة تباع فى الأسواق ، وهى صورة تعبر عن ضياع الإنسان وأنه أصبح سلعة تباع وتشترى ، هنا نرى كيف تحول الطفل والسيدة فى لحظة الإصطدام ببعضهما إلى إنفجار ، وكأنهم عبوات ناسفة ، والدماء الساخنة تتجمد .
فى ص١٠ ” المدائن ” ينشد لنا صورا بكرا طازجة يقول ” للفاتحين ازينت كل المدائن / أطلقت نهر الضفائر / حررت نهد العبير البض من صدور / الغصون وأقبلت ” هنا نرى جمال التشبيه والمشبه به ، الضفائر هنا معادل للمرأة . وفى وصفه الخذلان العربى والضعف والإستسلام يقول فى صوره صادمة زائحا كل الستائر فى ص١٠ يقول” متخاذلا ، الفارس العربى ، يخلع عن ملابسه الدروع ، وينحنى بعد الحدود ، يشق قبرا بالأظافر والدم ” ، هى كناية صريحة عن المعاناه التى يتكبدها الشعب الفلسطينى وهو واقفا على الحدود ، يشق قبورا وأنفاقا بالأظافر والدم ، وبختتم فى ص١١ بقوله ” قد عشت لك / وأجبت سؤالك فامتلك / إن الطريق لمن سلك ” هى دعوة صريحة وتخريض على النضال وإستمرار الكفاح . فى ص١٢ ” مريم ” يستلهم ويمتاح من القرآن الكريم حين يقول ” تخبئ بين كفيها نبوءات / واودية من النور / وتمرات / اهز إلى / فتأتينى بواحدة / وأغرسها تخصبنى / وتتبت فى ذاكرتى ” ، ثم نرى كيف يقوم بعملية الوصل بين التاريخ والواقع والحاضر والمستقبل فى ص١٢يقول ” جوادك بإصلاح الذين يركض / ثم يكبو / كيف ينهض وعيناه اللتان مزجت شوقهما بنار النصر / باكيتان فى ألم / جوادك عاد بريا / نسيت اليوم تسرجه / فالقى من على الظهر / حكايانا المحنطة ” ، ثم نراه فى حلمه بالوحدة بين العرب يقول ص١٣ داعيا للزحف المقدس ” أمن خجل أرى لون الثرى وردا ؟ / أطمى النيل يزحف للفرات / مسيرة الحلم المقدس ” وفى لحظة اليأس والمعاناة والألم يرى الأمل والعودة للإنتصارات العربية متمثلة فى عودة صلاح الدين يقول فى ص١٣ ” خيام دمائنا العربى قد نصبت /ونخل الأرض يطرح تمره الحنظل / نبوءات مكذبة / بشارات مكذبة / وأنت الصادق الأوحد / جواد صلاحنا أقبل ” .
فى ص١٤ ” لحظة يهرب الموت ” فى حديثه عن بيروت مايحدث فيها يقول ” أتقافز تنينا / ولسان النار / يلف الصمت على الأرواح / أمانى يقتل ظلى.. إلى قوله ” فى أضيق حارات الأرملة الثكلى / بيروت”. فى ص١٥ ” أوراق تنثرها الريح ” يقول فى وصف جديد وغير َكرر ” أوققتنى في اللامباح / وقلت بح / والسر نور / إن تخطانا قبح / أيقنت أنى شاعر دوما كبح / أنى تغنى أسكتوه / وإن صدح / أضرمت نارا فى الجناح / وقلت طر ” .
فى ص١٧” مسافر ” بعد السفر والعودة من الزيارة المرفوضة يقول ” حين عدت من السفر / كان وجهك باردا كدمائهم / كان كفك قاتما كأكفهم / كانت الأحضان سدا / لاممر / حين عدت من السفر / كنت صرت ” بطاقة ” لم تعد أبدا بشر ” .
فى ص١٨ ” وصية هوراشيو ” واصفا للكلمة والتى هى السلاح الحقيقى ” ليست كلماتى أعمدة / تشجيك وتنساها / أن يغلق مذياع الروح ” ثم يصل للصورة الأشهى والأجمل ” ليست كلماتى أعمدة / أوصيك لتحفظها لا / لن تبقى كل الأحجار “، ومن القران يستلهلم من قصة سيدنا موسى الكليم يقول” على عتبات الأحلام الأحلام / سيولد معناى ثانية / فتلقفه / أن يسقط يفنى وتكفله / كن أحنى من فرعون على موسى ” ، أنظر هنا الإستخدام الجيد للكلمات وللألفاظ فى مواضعها ، وحسن توظيفها في سياقها حين يقول لفظ ” أحنى ” هنا يكون قمة الحنان والحنو ، هكذا نجح شاعرنا ” أشرف أبو اليزيد ” فى إستخدام الكلمات والألفاظ كموتيفات منتقاه بعناية شديدة .
في ص٢٠ ” الرسول ” يقول في وجد صوفى متبتلا ” لم ألمس طرف قناعك / كى لا أهوى محترقا أترمد / تزرونى الريح ” إلى قوله فى ص٢١ ” سأريك قرابين القرية / أعطيك الشال الأخضر / أوصتنى أمى ألا أعطيه سواك ” .
فى ص٢٢ر ” صلاة غير مقدسة ” يفتتح القصيدة بنحت صوره بأزميل موهبته المترعة بجمال الوجد ” وجوه المصلين حولى / ووجهى / إلى قبلة الموت يرنو / وأدنو / وفيه إستقرت حروف الكلام / بثورا قديمة ” ، ثم يقابلنا بصورة معاكسة في قوله ” ووجه الإمام المنكس / خيالات حقل مدنس / مع الريح تلهو / خيالات حقلى / مع الطير تعبث / ترانى سأجنى سوى / فيض هذي الرياح / بقايا الطيور ” ، ويأتى صوت المؤذن فى صورة داخل القصيدة ” يقول المؤذن / نهوى الإمام / فنادوا وغنوا / باسم الإمام / معا سوف نمضى وراء الإمام / ونفنى ونزوى ويحيا الإمام / ولا شيئ يبقى بغير الإمام ” ، ويأتى الصوت الرابع الذى مات منا ص٢٣” حروف الكتاب المقدس حروف ثلاثة / وهي” ن / ع / م ” وهى كلمة ” نعم ” ن / ندمنا لإنا حفظنا الكتاب ع / علمنا بأنا عبدنا السراب م / مللنا الحياة اليباب .
ومن الصور الشهية البديعة التي خطها شاعرنا الفيلسوف ” أشرف أبو اليزيد ” نستعرض بعضها على سبيل المثال فى ص١٤ ” مشربية ” يقول ” للخيل تركض نحونا / أسرجنها فتيات يافا بالنسيج المقدس / يعلو على صهواتها / صبح يشد القبح من أنفاسنا ” .
ص٢٦ ” نهر اللهب ” هاهى الأكباد عبأت الحجارة بالمرارة / أطلقها فاستظلت ساحة البيت المقدس باللهب ” ص٢٦ يقول” هاهم الأطفال شقت عنهم الأرض النبوءة / مثل عرق من ذهب / فاعتلوا القنوات جسرا من نابلم منسكب ” ويقول فى ص٢٦ مخاطبات الضمير الإنسانى بصمود أطفال الحجارة “، هاهم الأطفال يبنون القطار لتركبوا / يوم الخروج المرتقب / دشنوا العجلات بالحجر العتيق / أطلقوا زفراتهم / سعل القطار / تحركت عرباته حتى إنقلب ” وهذا وصفا دقيقا للخذلان العربى .
فى ص٢٨ ” قال زورق ” يشدو شاعرنا ” حاولت أهرب كنت حولى / داخلى / فغرقت فيك ” .
ص٢٩” وشوشة البحر ” يقول” نهر الجماجم / ضفتان من البشر / حين إنتقلت مع القدر / قالوا انتحر / يانهر قل / قتلاك من ؟ / أو من قتل ” .
ومن ديوان ” الأصداف ” ١٩٩٦ .
فى ص٣١ ” هو البحر ” يقول ” بركان شوق / وطوفان عشق / شلال شك / هو البحر / آت / وفرعون يسعى وراءك / سلى الله يوحى لموسى عصاه / فتعلو كغيم / وتهوى طريقا لقلب الحياة ” .
ص٣٣ ” الأرض الغضب ” يشدو لنا بصور بديعة” الأرض تلفظ ساكنيها فى غضب / والريح / يرشوها التراب فتنتفض / تكسو العرايا بالرماد الملتهب ” ليصل للصورة الأشهى يقول” الفأس ماعادت تشق الأرض / الفأس ملعقة ذهب / والنصف صار من خشب ” ثم يصف الحكام بقوله” الأرض فيها ألف رب / رب يميل ويستمال / من أجل فاتنة ومال ” ليصل إلى الحقيقة ” فغدا يصير القصر قبر / والنوم موت ” ليصل إلى الصورة الأجمل ص٣٤ ” فالأرض تلفظ ساكنيها فى غضب / الأرض صارت تحتضر / فى شهرها المليون جاء وليدها / طفلا حجر ”
” ذاكرة الصمت ” عام ٢٠٠٠
في ص٣٧” حزن ” يرسم الحزن في صورة بديعة وجديدة ” الحزن إمرأة تعشقنى / ترقص لى / حتى مطلع فجرى / فأضاجعها / حتى مغرب عمرى ” .
ص٣٧ ” مسائيات ” يقول ١- ” أبحث بين ركام الأقنعة المهلك / عن وجه لم يستهلك ” ٢- ” حين يعذبنى صوت صوت أغان ما / أرمى أذنى / خلفز ضجيج الصمت ” ٤- ” اربط حجر الصمت برأسى / أسقط ” ٥ – ” تخرج من رأسى / ذاكرة الموت / لاسقط فى محبرتى ” .
ص٤٠ ” وطن ” يقول ” أعرف وطنا تأشيرة رايته / كالليل الساكن فى شعرك / ذى الا الألف ضفيرة ” .
ص ٤١ ” بنها ” يشدو الشاعر الفيلسوف الرحالة” أشرف أبو اليزيد ” حول عشقة لمدينة بنها مسقط رأسه يقول” كالحلمة فى نهد الدلتا / نامت بنها ” .
ص٤٢ ” حب ” يواصل وصفه لأيام الطفولة بالمدرسة ” كان الولد الجالس فوق مقعدى القديم / لايشبهنى / أبدا / ألا إنى أحببته ” .
ص٤٣ ” أى إمرأة ” يقول ” أى الطرقات ستركلنا / عبر أول مفترق / غير التى مهدناها للآخرين ؟ ” .
ص٤٤ ” ذاكرة الصمت ” يقول ” ماذا تفعل / كل نصوص الدنيا / في رأس مثقل بالنكبة ؟ ” ” والطير المارق / فوق سياج الجارة / لا يشدو لك” ” القطة ليست تكترث الفئران !! ” ” لم يبق فوق زجاج الماضى / إلا أطياف ووجوه / والأشجار مسلات عارية ” ” الأفراح / شطائر تفاح / يحرقها الفرن الأمريكى ” . ص٤٧” تتمنى نارا كعصا موسى /تلقف نهر الصمت / ونهر النكبة / نهر مرارات الأخبار / ونهر الأحلام الميته / من يمنحك النار القدسية ” ص٤٨ ” هذا صبح كالعملة / مجهول المعدن / مسحوا وجهيه / ليصلح فى كل زمان ومكان ” .
ص٥٠ ” قطار يعبر الصحراء ” يقول” البلاد التى تشبه قطارا يعبر الصحراء / ساحبا وراءه توابيته المكيفة / تلون نهديها الشمش / بالدماء وتصبغ جسدها بالمروج التالفة ”
” فوق صراط الموت ” ٢٠٠١
ص٥٣ ” مطر ” يقول في ومضة شعرية ” فى المطر المنهمر / لا يشعر أحدا / بقطرك وحيدة ” . ص٥٦ “رفات ” يقول ” تثير الرياح رفات الرفاق الرحل / فتخضب ريشة الصباح بالحنين / كما الورد يخضب العينين بالحب ” ماأروع وما أجمل هذا التصوير والتشبيه البديع ” . فى ص٥٧ ” حافلات ” يشدو لنا بقوله ” الحافلة التى وقفنا طويلا بانتظارها / إبتلعتنا في حشرجة ملوثة ” ” ترش النهار بالدخان / وترش المحطات بالبشر ” ” أتامل امرأة / تحمل عبء أمومتها / على نهدين انسدلا / كأسرين ” .
ص٥٩ ” منفى ” يصدح لنا بقوله ” لخيول المنفى أن تركض / حتى آخر مضمار العمر / لجنائزهم أن تمتد لأخر ليل/ لقبور الموتى أن تملأ مابين خليج ومحيط ” ” ولأشعارى أن تصبح منفاى الأوحد ”
” ذاكرة الفراشات ” ٢٠٠٤ ص٦٢ ” شارع فى القاهرة ” يقول” شارع في القاهرة / لم تعبره المراكب / والروح من ألفى عام / جفت الأشجار فيه والناس / واختلط الطين بالعظام / لكنه يظل يشبه نهرا / كما تشبه الحياة الموت ” .
ص٦٣ ” رحلة أولى.. رحلة أخيرة ” يقول ” أيها العاشق / ماذا يبقى لك / غير الأغنيات / ترددها النسوة يوم رحيلك / وبيت شعر تكتبه فتاتك / فوق الشاهد الحجرى / بعد أن تبكى قليلا / لكنها ستسكن عند الغسق / مركبة النسيان ” .
ص٦٦ ” فلامنكو ” يصدح لنا بقوله ” لعل العرق الذي تدحرج / قطرة قطرة / مثل نهر من الذهب / فوق الوجه البرونزى ” .
ص٦٨ ” قرب الربع الخالى ” يقول في وصفه السلاح الذى يترك حتى يأكله الصدأ كناية عن الحال الذى آلت إليه الجيوش العربية يقول ” لم يشتر صاحبنا قطيع الوحوش الحديدية / ليشارك في داحس والغبراء / وإنما ليقتل الوقت وهو يعدها / حين ترعى قرب مرابض الخيام / حتى يأكلها ذدب الصدأ ” .
ص٦٩ ” أصدقاء الرياح ” يقول ” الرياح تمسح الحدود بيننا / تشعل النار وتطفئها / وتعمى عيون الغرباء ” ” تأتى تودعنا الصحراء / لايزال بدنها غارقا في مسد الصبا / والرمال تحتها تغنى فتنثر ماجمعته لنا السنون من أوراق / ولم يبق لنا سوي خيمة الهرم ” .
ص٧٠ ” إمرأة من مطر ” يقول ” فى الرحلة القفر / نتوكأ على جبل / نخفى بمغاراته قلوبا تنتظر الوحى ” . وفى ص٧١ ” يقول ” صعلوك يحلم بالملك / باع الدرع والخيل / ولم يعد يحفظ غير إسم الجارية وشكل القصر ” ” فلكى ضرير يتحسس النجوم في سراويل الأحلام / أمام راقصة تخفى القوادين فى دفتر شيكات والقافلة تسير / والناسك يتبتل / معى مفتاح البيت مسبحة المسجد ” سجد / فكيف لا أجدهما ” ” الشهبندر / باع الراقصة أو تزوجها لا أذكر / وبينما النار تأكل الخيمة / كانت صحرا الليل تفتح لنا زراعيها”
ص٦٣ ” لم أعبر إلا لتتبعنى ” يشدو بقولة ” لم أعبر إلا لتتبعنى / معى الشهداء خربشوا وجه السماء” ” لم أعبر إلا لتتبعنى / خفت تضع قدميك فى لجة الأحلام ؟ / وخشيت أن اصحو ” .
ص٧٥ ” لص بغداد ” ” فى كل يوم / يهب العشرات حياتهم / من أجل جمجمة تختبئ / في الخوذة الصدئه “” كيف تنجو مدينة تحترق بين لصين ” .
ص ٧٦ ” رسالة ” يقول” إخوة الدرب والعمر / أيها الأصدقاء / وطنى دمى / والبحر وريد / والشريان النهر وأنتم الموزعون على الأرصفة / كيف أسافر دونكم / إخوة الدرب والعمر / أيها الأصدقاء / وردتى معكم / سأرشها بما تبقى من ماء العمر / فأموت معها / أو تحيا معى ” .
ص٧٨ ” حداد ” يقول” يتسلق الورد جدارا / أهمله الزمن / يشق بمحفات الضوء طريقا / بين الشقوق المظلمة / فيرسم قلوبا ملونة / يغير لون السماء / يبدل شكل النوافذ والنساء ” .
ص٧٨ ” باعة الظل ” يقول” من رحم الليل الألف امرأة تأتى / كي ترسم لى / سكة الولوج للشمس والحياة ” ” نحن باعه الظل / نعبر التاريخ فوق بساط الخطيئة ” . ص٨٠ ” الفراشة الأزلية ” يقول ” مثل فراشة غارقة / تتأرجح فوق جناحيها روح / تدفعها نحو سماء الماء / والحياة / كنت هناك ” .
ص٧١ ” حلم ” يقول ” لماذا تأتين كحلم / تطارده الليالى ويفترسه الصباح ” .
ص٨٢ ” سفينة نوح ” يقول” على رأس سفينة نوح / دمية من البورسلين / وحيدة تخطف عيناها البصر ” ” فى الفجر فاجأنا الوحى / فارتجفت / وارتعشت ! ” ” ها هو البورسلين يتقد / تنبت ساقان من المرمر / يدان من الرحمة / قلب من شجر العشق / وشفاه من كرز الفردوس ” .
ص ٨٣ – ٨٤” معرفة ” يقول ” أجلس عند النهر الآسر وهو يحدثنى عنك / يتذكرك فتاة تعبث بالحنطة / وترش الوجه بماء الفرح النادر ” .
ص٨٥ ” عيون بليغة ” يقول” تتأمل فى الصمت ترتيل / العيون البليغه / تترصد فى بستان الكرز / فراشات الضحكات / فى كفيها خطان للعمر والعشق / أنت السائر والحائر بينهما / مد يديك ولا تخشى الغضب / مد يديك يساقط الرطب ” .
ص٨٦” مائه رسالة إليها ” يقول ” ماهمى لو أنى منفى / طالما لي وطن / فى قلب إمرأة وحيدة ؟ ” وحين يطرح رؤاه وفلسفته فى ص٨٦ يقول ” لا يعنينى أن أغير التاريخ / أو أبدل العهود القديمة وأحرفها / جئتك كى نكتب تاريخ آخر أو نكونه ” .
” خرائط السراب ” ٢٠١٣
ص٨٩ ” خريطة لبقعة ضوء ” ” يقول ” تبحث بقعة الضوء / عن خريطة للحب ” .
ص٩٠ ” خريطة للنهر ” يقول” نهرى عطش للشلال / يحبو بحثا عن رافده / عن واد يعبره / فيبث الشوق إلى فتنته / يبحث عنك مصبا يغرق فيه ” .
ص٩١ ” خريطة لمدينة ودعها ” يقول ” سيدق الباب فلا يخرج /غير الخفاش النائم يحكى / عن بدعة الموت / رغم ظلال الغابات الأسمنتية ” .
ص٩٢ ” خريطة بستان عند حافة الموت ” يقول ” ليس اللون الأخضر في حوضك / غير طحالب ويباب “.
ص٩٣ ” خريطة لأبناء جوجل ” يقول ” أنتم أبناء أداة البحث / أنتم أرقام وحروف / فوق خرائط جوجل ” .
ص٩٤ ” خريطة لحزن قديم ” يقول ” يتسلل بين ضلوعك كالأفعى / يبحث عن ثقب فى تفاحة قلبك / عن درب مهجور نحو الذكرى” .
ص٩٥ ” خريطة بيت هناك ” يقول” مصلوبا فى شرفته / أرقب أسراب النورس / أتحسس جنحى الضامر ” .
” راهب راس الجبل الشايب ” ٢٠٢٣
ص٩٧” ألف مصباح ومصباح لجاك هيرشمان ” ” بشوارع سان فرانسيسكو / وبقامته النخلة / يحمل جاك سلمه الشعرى / يمضى يسنده على أعمدة النور / يحمل صندوق الأنوار السرية كى يشغل الف نهار ونهار / يشعل مصباحا للحرية / يتوهج مصباح سيضئ العتمات / بقلب كهوف الثورا ” .
ص٩٩ ” نوافذ كاوشيونج ” يقول ” على عتبة باب الدكان الخاوى يجلس قط / ينتظر نزول شعاع الشمس / من ثقب فى سقف الغيمة ” .
ص١٠٥ ” راهب رأس الجبل الأشيب ” يقول” كا الوعل الهارب / أقفز بين سحابات سابحة / فوق حقول الأمل / أتمنى أن تسحرنى نجما / كى أسقط مطرا ” ويصل إلى قوله” سبع فراشات ترقص وهى تعانق شرنقة توشك أن تتحول؟ / وردات عشر كانت تدمع عطرا من مسك وكروم ؟ ” إلى قوله” شجرات خمس تثمر تفاحا من نور ؟ / كوكبة من عشرين مجرة / فيل يرفع هودجه الذهبى / أو ضفدعة مطت شفتيها لأمير هارب ” .
هكذا طوفنا فى محراب ” مختارات شعرية ” للفيلسوف الشاعر الرحالة” أشرف أبو اليزيد ” طواف كل المريدين فى السعى للشعور بالمتعة .