
كم من مرات أقرأ عن دموع حارة يسكبها مدراراً أدباء سائرون على درب أقلامهم الأولى، ألماً وحزناً على نتاجاتهم المرفوضة من مجتمع النشر!
وكم أقرأ على الجانب الآخر، عن أهازيج صادرة من بعض رموز الفكر والأدب، وهم يتبارون بكل حماسة ونشوة فى نوال شرف اكتشاف الموهبة المبكرة للأديب العالمى نجيب محفوظ، وغيره… مع إنهم لم يقدموا لنا وجوهاً جديدة. ولعلهم يحتفظون بأكثر من اكتشاف لموهبة أدبية لن يعلنوا عنها إلا في الوقت المناسب بعد أن تكون الموهبة المبكرة قد نضجت وأثمرت، ونالت شهرة عالمية!
متى يتبارى هؤلاء فى نوال شرف السبق في دعم وترسيخ الأقلام الواعدة، بإلقاء الضوء الساطع عليها، وتأييدها، وتقديمها إلى دور النشر، والتي عليها هي أيضاً مسئولية تبنى الأقلام الخضراء الموجودة بصورة متناثرة في زوايا بسيطة على صفحات صحفنا ومجلاتنا، وفى كتيبات مجهولة تصدرعلى نفقة اصحابها بإمكانات مادية ضئيلة؟!
فمن المنظور انهم يساندون الذين وصلوا بالفعل إلى الشاطئ ويفقدون بذلك مميزات المساندة، ويرتكبون فى الوقت ذاته ذنباً جسيماً، وهم يتركون ضحاياهم يموتون في رحم الإبداع!
ما الحكمة أن يلهث الأدباء الشبان وراء نشر انتاجهم حتى الاستجداء، متنازلين بإرادتهم المقهورة عن حقوقهم المادية من أجل أن ترى أعمالهم النور، ومع ذلك يعودون منكسرى الخاطر والرجاء؛ ليكتشفوا بعد ذلك انهم لن يكونوا من المقربين لا لشيء سوى انهم ليسوا من ذوى المناصب الرفيعة، وليسوا من عائلة المعارف والمقربين؟!
ولأننا بالفعل فى زمن المجاملات، فقد نُشر لأحد الذين يضعون حرف الدال قبل اسمهم، مقالاً اثار جدلاً عظيماً؛ لأنه كان مليئاً بالاخطاء الفادحة!
فلا بد أن يكون للإبداع، كإبداع، كامل الاحترام والتقدير والاعتبار، بغض النظر عن اسم وسن ومركز المبدع، تقديراً منا لمفكرنا العملاق عباس العقاد، الذي قال، حين سئل عن أهم انجاز له: “اني جعلت للفكر قيمة مستقلة عن الألقاب والشهادات والبرامج الدراسية”!


