صدر حديثا عن دار الناشر للنشر والتوزيع ديوان (وجه الطبيعة) … وهو نصوص هايكو للمبدع عادل عطية
وعن الهايكو.. يقول الأستاذ توفيق أبو خميس مؤسس ونائب رئيس نادي شعراء الطبيعة ـ هايكو الأردن:
هذه التجربة الشعرية الرائدة الآتية إلينا من أقاصي الشرق وتحديداً من يابان القرن السابع عشر، والتي تتميز بخصائص كادت أن تتفرد بها عن غيرها من الأجناس الأدبية وخاصة النصوص القصيرة جداً او بما يسمى «الأدب الوجيز»، والتي لا ينبغي تجاوزها، والتي وجدت لها صدىً وحضوراً متزايداً بين عدد من الشعراء العرب.
يتكون نص شعر الهايكو من بيت واحد يتشكل من مطلع وانتهاء بقفلة، وينطوي على مشهدية حسية ذات معنى عميق، موجز، مكثف .. يتأسس على سبعة عشر مقطعاً صوتياً في اللغة اليابانية، وتتوزع جمله الشعرية على ثلاثة أسطر ترتبط فيما بينها بعلاقة مضمرة:
خمسة مقاطع
سبعة مقاطع
خمسة مقاطع
مع حرص الشاعر التام على التكثيف، والإيجاز اللغوي والآنية والتنحي وعدم الأنسنة..
لقد استطاعت قصيدة الهايكو أن تخطّ عالمها على إستقراء المشهديات الحسية (حواس الإنسان الخمس)، وتؤخذ هذه المشهديات من البيئة المحيطة بالشاعر وبخاصّة ما يخص الطبيعة منها، وهذا النّوع من القصائد المكثفة والمقتضبة يمكن أن يستحضر لنا تلقائياً مقولة الصّوفي «ابن عبد الجبّار النّفري» والتي مفادها: «كلّما اتّسعت الرؤيا ضاقت العبارة»؛ فالهايكو قصيدة شعريّة قصيرة تختزل لنا رؤية الشّاعر وبتاتاً دون إقحام ذاته «الأنا الشّاعرة»، وبسيطة البناء، تبدو في ظاهرها سهلة المنال في حين إنها ذات عمق دلالي، ولنا أن نقول بإن «الهايكو» هو نص السهل الممتنع .. فالهايكو نص مضغوط، قد يبدو للوهلة الأولى كومضة برق خاطفة أو مجرّد رشقة مطر شفيفة، لكنّ سرعان ما يتفتّق عنه بفعل القراءة المتأنّيّة المتأمّلة عن كون شعري لا متناهٍ في مشهديّته .. مماثل تماماً لتشكّلات دوائر مائيّة متماوجة عن رمي حصاة على صفحة بركة ماء هادئة وعميقة، ومن ثمّ يداوم النّص استفزازه للقارئ، ممّا يجعله يلوذ بكل طاقته وهمّته بتأويل هذا النّص قراءة وإنتاجاً.
لقد عرَّفَ الأدباءُ والنقاد القدامى الشعرَ بأنه: هو الكلام الموزون والمقفى، وأما المحدثون منهم فعرَّفوهُ على أنه: لفظ ومعنى، وهذا الكلام ينطبقُ تماماً على نصوص الهايكو التي جاءت في متن هذا الديوان لشاعرنا المبدع والقدير عادل عطية، وهو شاعر متمكن وَمُتمرِّس وذو مواهب أدبية متعددة، بكل ما في الكلمة من معنى وصاحب تجربة واسعة وعميقة وثريَّة في مجال الأدب والشعر وكتابة شعر الهايكو بشكل خاص.. إنه بالفعل شاعر ماهر يجيد اقتناص المشاهد وإلتقاطها من زوايا متعددة لا يجيدها إلا محترف، وفنان في اختيار الكلمات والمفردات الشعريَّة الجميلة والعذبة، والتي يكون لها وقعها وتأثيرُها على نفسيَّة المتلقي وإثارة عواطفه ومشاعره وأحاسيسه الذاتيَّة، وفي ذات الوقت تترك مجالاً واسعاً للمتلقي بأن يشاركه تأويل النص فهو يختار المعاني العميقة الهادفة والصور واللوحات الشعريَّة الجميلة والخلابة والمليئة بالجمال والمشاعر الجياشة.

اختار المؤلف إسم «وجه الطبيعة» لهذه المجموعة وهو مسمى كما أراه ملائماً ومطابقاً للفحوى والمضمون. وبالفعل هذه القصائد اتسمت بالبساطة وعمق المعنى وذات وجدانيَّة عالية، ومنبثقة بشكل تلقائي وعفوي، وبحريَّة وانسياب مُمَوسق يتذوَّقُهَا ويطربُ لها كلّ قارىء ومتلقي مهما كانت نوعيته ومستوى ثقافته ويترنمُ مع كلماتِها وإيقاعاتها ومعانيها ودلالاتها ويحلقُ في أجوائها، ويعايش مشهدياتها بالصورة التي التقطها الشاعر ووثقها بكلماته وفي الصور واللوحات الشعريَّة الملوَّنة ويستشفُّ ويرشفُ من ينابيع الجمال والمحبة وينتعشُ من أريجها المليء بالحبِّ والدفء والأمل والتفاؤل.
ولا أبالغ في قولي بأن معظم النصوص في هذه المجموعة قد أخذت ذات القدر بقوة وجمال التركيب اللفظي وتناغم مفرداتها.
وتنوعت إلتقاطات الشاعر البصرية وأحاسيسه من هنا وهناك… منها ما عني بالطبيعة والمشاعر الفياضة اتجاهها، ومنها ما هو إنساني.. وكان للطبيعة الحظ الأوفر كما سنلمس من قراءة نصوص هذا الديوان للشاعر.


