
السبت 5 نيسان / أبريل 2025- نادي الكتاب اللبناني–فرع نازك أبوعلوان عابد– عيناب
بقلم الدَّكتورة منى رسلان
قراءة نقدية ثقافيَّة–سياسيَّة: التثاقُف المعرفيُّ بين الإنسانيِّ والشعريِّ
في انتاج المُفكِّر العراقي د.عبد الحُسين شعبان: “ومضةٌ من رحلته مع محمَّد مهدي الجواهري“
مدخل:
«قالَ لي: أأنتَ مسافرٌ مثلي؟ فقلتُ له: لا! بل أنا شريد». (الجواهري، على قارعة الطريق)
تكمن الفُجائيَّة في اقتناص محمَّد مهدي الجواهري لومضة “المنفى” وتشظي الإغتراب. إذ أرَّخ خلال سنواته الأولى من عمره الإبداعي فيالغربة، مجموعته الشعريَّة “بريد الغربة” وقصيدة “يا دجلة الخير“.
حييت سفحك عن بُعدٍ فحييني / يا دجلة الخير يا أُم البساتين (الجواهري)
أ مِن هذه اللحظة المفصليَّة يبتدِئ تأرجُح الهُويَّة، هُويَّة التثاقُفِ المعرفيِّ بين الإنسانيِّ والشعريِّ في انتاج المُفكِّر العراقي د.عبد الحُسينشعبان : “ومضةٌ من رحلته مع محمَّد مهدي الجواهري“، والتيه الوجودي الموغل في أغاني تموز وآلهة بابل؛ حيثما ينبلجُ نهرُ دجلة فيَّاضالوجود، ويستضيء الفرات بعشتاره !
أ مِن تينك الاشعاعات، يعبُر الشاعر بشاعريته مُتون فاعليتهِ التشاركيَّة والصراعيَّة، نفسيَّاً وحضوراً معيوشاً في القصيد.
فـ «سلام على أرض الرّصافة إنّها مراح ذوي الشكوى وسلوى ذوي الوجد
لها الله ما أبهى ودجلة حولها تلف كما اِلتفَّ السوار على الزند». (الجواهري)
تستحضرُنا القوافي المُتعانقات بتراتيلِ الوجد، المُنسلخات عن جُغرافيَّة التجسُّد الذَّاتيِّ والاضمحلال في المكان، وتستحيل المُدن، من بغداد،إلى بيروت، إلى دمشق، فالقاهرة، وإلى براغ، كأغنيةٍ حزينة، كمهبِطٍ للفرح، والشكوى تأسِرُ القلوب.
هل تُفارقٌنا المُدن أم نحن العابرون، أم تأخذنا نشوة الضُحى والسور يلتفُّ على الزند، يتأبَّطُ الترحال..
أ مُفارقون !
***
• العراق والمُشترك الإنساني – الثقافي

ما بين محمَّد مهدي الجواهري ود. عبد الحُسين شعبان:
تُطالِعُنا الحياةُ الثقافيَّة في بغداد منذ العام 1948 أي عام النكبة (نكبة فلسطين) وما تلاها، “إذ كان العراق، في تلك المرحلة بالذَّات، منأكثر الأقطار العربيَّة مجالاً للتفاعُلِ الثقافيِّ والحضاريِّ، والجيشان الفكري والسياسي والإجتماعي. فالحلقاتُ الفنيَّة– الأدبيَّةُ الَّتي تكوَّنتفي بداية الخمسينات إصطرعت داخلها القوى الفاعلة والأفكار التغييريَّة والأحلام التجديديَّة بحثاً عن صيغٍ وأشكالٍ متنوعة وجديدة للفنوللحياة. والفوران الثقافي في بغداد كان يتصاعد، وتتَّخذ فيه الجدالات والحماسات مسارات سياسيَّة واجتماعيَّة، ..؛ وجد محمَّد مهديالجواهري وعبد الوهَّاب البياتي وعبد الحُسين شعبان و“جبرا إبراهيم جبرا.. وسواهم.. أنفسهم في خضمِّها. وقد عاش الأدباءُ والشعراءُوالقصاصون والمُفكِّرون والنُقَّاد وحتَّى عُلماء الاجتماع السياسيِّ، والفنَّانون الذين يتوقون لخلقِ أشكالٍ تعبيريَّةٍ جديدة في كلِّ ما يكتبون“،و“الرسَّامون التشكيليون الذين عادوا من دراستهم في الخارج ” في خضمِّها.
أنا العراقُ لساني قلبه ودمي / فُراته وكياني منهُ اشطار (الجواهري)
“كان العراق منذاك الوقت يختبر جوَّاً سياسيَّاً وثقافيَّاً مُحتدماً، وقد أثَّرت الأجواء السياسية– ومنها ثورة 1958 (ثورة على الملكية العراقية) في العراق، ثورة “عبد الكريم قاسم“، على حركة المُثقَّفين العرب، فكانوا منقسمين بين: التيار القومي، والتيار الماركسي“. (رسلان، منى. التجربة الشعرية عند جبرا إبراهيم جبرا. رسالة ماجستير بإشراف: الأستاذ الدكتور وجيه فانوس. كليَّة الآداب والعلوم الإنسانية، قسم اللغةالعربية وآدابها، الفرع الأوَّل. بيروت، 2001. ص49-50).
لقد حاول الشعراء المزج بين تجربتهم الشعريَّة وعملهم النِّضاليِّ السياسيِّ، إزاء سكونيَّة الحَراكِ المُجتمعيِّ وضمورِ التفاعُلِ الاِنسانيِّ أحياناًجمَّة.
وانتشرت في بغداد الحلقاتُ الثقافيَّة والمنتديات الفكريَّة والإجتماعيَّة، إلتفَّ حولها رجالٌ ونساءٌ من مُختلف التوجُّهات الفكريَّة: منها التقليديّالتُراثي، ومنها التجديديّ الباحث عن صيغٍ جديدة في التعبير“. (رسلان، منى. التجربة الشعرية عند جبرا إبراهيم جبرا.ص49-50).
البُنى التكوينيَّة: التثاقُف المعرفيُّ
بين الإنسانيِّ والشعريِّ
يحمل كُلٌّ من محمَّد مهدي الجواهري و عبد الحُسين شعبان في بُناهِ التكوينيَّة روافد روحيَّة – دينيَّة تجلَّت في شخصيتهما ونشأتهما؛ كماينمازان بموروثهما التاريخي الموغل في التأريخ والجٌغرافيا والأدب والحضارة العربيَّة والإسلاميَّة وحتَّى الأُمميَّة، غير أنَّ بعضاً من هذاالتاريخ كان مأسوراً بالتقاليد والعادات القاسيَّة؛ ومثل نخيل بغداد تستوقِفُنا هذه العلاقة التواصليَّة في ما بينهما روحيَّاً، فكريَّاً، ونمطاًانتفاضيَّاً اصلاحيّاً على الواقع. فمن عمامة نجفيَّة ديوانيَّة _ تلقينيَّةِ بدأ تمرُّد الأوَّل، ومن ميولٍ يساريَّةٍ تقدُّميَّة لأهلِهِ، بدأ شعبان تمرًّدهالمُجتمعيّ والسياسيّ والثقافيّ والوجوديّ.
تسطعُ في شخصيتهما ميزة مٌجاهرة الطُغاة؛ فاستلَّ د.عبد الحُسين راية الدِّفاع عن حقوق الانسان، مُنتقداً في مواقفه وشعره سلطويةالأنظمة القمعيَّة وفكرها الشمولي، إذ ما تتجلَّى مقدرته في إعادة تكوين تفاعلي لنظريَّة الماركسيَّة شعراً وأمثولة عيشه.
يشرح عبد الحُسين شعبان في إحدى مقالاته:” من يريد استعادة صورة ماركس فعليه اجتراح الواقع، فقد كان ماركس الحلقة الأولى فيالتمركس، ولا بدّ من الاستفادة من منهجه الاجتماعي، أما تعليماته والعديد من استنتاجاته، فهي تصلح لعصره وليس لعصرنا، وقد تجاوزهاالزمن، حتى وإن كانت صحيحة في حينها، وعلينا قراءة الواقع واستنباط الأحكام المنسجمة مع الحاضر والمتطلعة إلى المستقبل، لأنالمرجعية هي للواقع وليست للنصوص، ولا قيمة لنظرية دون الواقع، والممارسة جزء لا يتجزأ من النظرية”.
لم يقف عبد الحُسين شعبان عند حدود الماركسيَّة، كما يبدو للقارئ أو السامع، لا بل هو انتهج آليات تفكيك الخطاب الماركسي المنغلق،و“أدار عمليَّة تركيبه وافتئاته مُحصَّناً بقوَّةِ الأخلاق النظريَّة الماركسيَّة، في بُعديها التأسيسيِّ والتداوليّ. كان قارئاً نهما لأساطين هذاالتوجه في أوروبا وآسيا، وعلى وجه الخصوص ذوي التوجه الفلسفي الأخلاقي، كسان سيمون، وشارل فوريي، وبيير جوزيف برودون،وقبلهم هيكل وموزس هس وبرونو باور المتأثرين بأعمال الفيلسوف المادي لودفيغ فيورباخ“.
ولا ريب أن تتمثَّل شخصيته الاندفاعيّة مُستبسلةً في الدِّفاعِ عن الحق؛ ألم يقُل الشَّاعر اللبناني جوزف حرب في كتابه “المِحبرة” (الصادرعن دار رياض الريِّس؛2006)، حينما يورد في نشيدِ الخُبز والورد: “لديك ما يكفيك من خُبز، ولكن ليس ما يكفي جميع النَّاس، والأرضُملأى بالسنابلِ انهض وناضل“؛ انهض وناضل، ليُنشِدها مارسيل خليفة، نشيداً للثورة الحق.

ممَّا لا شكَّ فيه، أنَّ شخصيَّة كُلٍّ منهما (الجواهري وشعبان)، الثقافية والوجوديَّة، مناهلها المعرفيَّة مُتباينة ومُتشعبَّة الأقطاب ومُتداخلةحضاريَّاً، ما حتَّم عليها أن تتحرَّك بإيقاعٍ مُتوازن، كمن يرقص بين المُتناقضات. إذ نهلا من المشروعيَّة الروحيَّة، واستقيا من مخزون لا بأسبه من الحضارتين العربيَّةِ والغربيَّةِ، على اختلاف توجُّهاتها الإنسانيَّة وأُطرها المعرفيَّة وتشعُّباتها الثقافيَّة.
ههٌنا يمكننا التمعُّن في جزئيات تجربة الدكتور عبد الحُسين شعبان، بروافدها الثقافيَّة– الشعريَّة والنقديَّة، كما الدينيَّة وتوجُّهاته الماركسيَّة،بعدما استحوذت قضايا عدَّة على المناحي الثقافيَّة والسياسيَّة وسواها عنده أشغولة إنسانيَّة تنحو للعدالة، لتأتي مسألة استقراء الشعركتابةً ونقداً في جُلِّ اهتماماته النقديَّة والإبداعيَّة.
يُصرِّح قائلاً: “جرَّبتُ كتابة الشعر في البدايات، لكنَّني انصرفت عنه لخشيتي من دخول مملكته، على الرغم من أنني ما زلت أسرِّب بعضالمقطوعات الشعرية دون أن أضع اسمي عليها، إلاَّ في ما ندر، وذلك من خلال كتاباتي وسردياتي، لأنَّني أشعرُ بهيبةٍ كبيرة أمام سُلطانالشعر، والشعر عندي مثل ابن رشد، أوفر حظاً من الفلسفة، وأسمى مقاماً من التَّاريخِ، لأنَّه يتناول الكُلِّي من الأشياء. إنَّه سؤال ورؤيةوصورة وإحساس وحلم ومخيلة، وقبل كلِّ ذلك دهشة، ولا شعر دون دهشة“.
*عبد الحُسين شعبان في حضرة شاعريَّة الجواهري
يعتبر أستاذ النقد الأدبي في الجامعة اللبنانية، الدكتور وجيه فانوس، أنَّ الجواهري أحد أعمدة الشعر الكلاسيكي العربي، وتالياً لا يمكنالنظر إلى الجواهري وتجرُبته الشِّعريَّةِ بمنظارٍ مُعاصر، وذلك لأنَّهُ ابن بيئتهِ وزمانه ومكانه، وكان يُعالج قضايا مرحلته.
فمن الجدير النظر إلى الجماليَّاتِ الأدبيَّة التي قدَّمها الجواهري في تلك المرحلة، وكيف يُمكن التعامل معها. من هنا نستدلُّ إلى ما يُشير إليهالدُّكتور وجيه فانوس، لدراسةٍ نقديَّة للتشكُّل الحضوريِّ والتصويريّ في قصيدة الجواهري، وتفكيك رموزه واسناداته واضافاته في نظامهاللغوي، وإعادة إنتاجه رؤيوياً مُنسَّقاً مع البُنية الدلاليَّة الكبرى للنصِّ الشعريّ، فالنظام الرمزيّ والدَّلالي الواسع فيه يُشكِّلُ فاعليَّةً قصوىفي صناعة دلاليته، وتصبح شعريته شعريِّة الرمز في مساراتها وضوئيتها المتحوِّلة باستمرار التجدُّد فيها، وبخاصيَّة التميُّز والفرادة.
وغنيٌّ عن القول إنَّ للصورة الشعريَّة فاعليَّةً مُعيَّنةً في اللُّغةِ، عبرَ ما تُنتِجُهُ من مُدركاتٍ أو انطباعاتٍ؛ وأنَّ كثيراً من الصِّياغات البلاغيَّةِالعربيَّة التقليديَّة هي المُحفِّزات الأساسيَّة للإدراك أو التأثير في النَّصِّ الشعري.
إذاً، لا مناص من الأخذ بتعبير لويس C. D. LEWIS (The Poetric Of Image; London,1968;pp.19-20). من أنَّ الصورةالشِّعريَّة، ليست سوى رسم بالألفاظ / والكلمات المشحونة بالعواطف والإحاسيس المُنسابة إلى قلب وأشجان القارئ / المُتلقِّي، في تجسيدحيويَّة العلاقة القائمة بين العناصر المُكوِّنة للنصِّ الشعري وتلك الفاعلة في تشكُلِهِ وبين مُستقبِل النصّ الإبداعي، وِفاقاً لطبيعة ومفاهيموأزمنة وأمكنة عيش ووجود المُتلقِّي، من ضمور للمعنى أو من خلال سمو عمليَّة التكشُّف وظهورها عبر تجليَّات معرفيَّة “تحثُّها على الزهوبنبض الفعل الشعريِّ في وجودها“. (فانوس، د. وجيه. لمحات من النقد الأدبي الجديد. دار القلم، بيروت. الطبعة الأولى، 2012).
يقول عبد الوهاب البياتي عن الجواهري:
ماذا أسمِّيك وأنتَ المدى / وطائر العاصفة القُدسي
فالقولُ الشعريّ يمرُّ برحلته التكوينيَّة من ذهن الشاعر واختلاج فيضِ مشاعرهِ، بواقعيتهِ وأخيلتهِ، وموروثه المعرفيِّ والقوليِّ، ارتقاءً إلى العيشِفي الجوهر: جوهرُ القصيد. فجنَّة الشُّعراء، شعريَّة القصيدة، ومحراث المعرفة ارتقاء الصورة وأخيلتها، مُستقيةً من الشمس غموضاً ماورائيّاً، في الرؤى. شرارةٌ من التيهِ والخوف والشوق ، حدِّ الانعتاق.
يستفيض د.عبد الحُسين بتحويل علاقتِه بـ محمَّد مهدي الجواهري إلى وجدِ عيشٍ، فكريّاً وإنسانيَّاً، حتَّى وإن تشظَّت النَفسُ بالرحيلِ، وقدنشره له قصيدته “ماذا أُغنِّي؟“.

وكما يستريح الشَّاعر جوزف حرب في ( “الخصر والمزمار، ص 173) في الجنَّة الشاعر المتمثِّلة في ابداعاتِهِ الشعريَّة، بواقعيَّةٍ مُستنيرةٍ،نسمعه يُنشدُ لحن الخلود في القصيد: “وصاعدون بعد موتكم إلى سمائكم، بعد موتي صاعدٌ إلى قصيدتي“.
هُنا يستريح الجواهري في قصيدته “ماذا أُغنِّي؟ :
كشوق ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ // شوقاً إليكَ وأنتَ النورُ مِنْ بصري
وأنت مني محلَّ الرَّوحِ في البدن // وأنتَ منْ قلّةٍ يسخو الزَّمانُ بها
تستلُّ من كثرةٍ عبءُ على الزمن // شوقاً إليك ، وان ألوَتْ بنا مِحنٌ
لم تدرِ أنّا كفاء الضُرِّ والمحن // لم تدر أنَّ فراقَ الصامدينَ لها
هو اللقاءُ على نهجٍ من السنن // مستوثقٌ ينتهي سَعِيُ الحجيج به
حيثُ ابتدت صَيحةُ الغادين بالوثن.
وانطلاقاً من غرض الناقد من دراسته أو الاشتغال على النَّص الأدبي، وفقاً لمُنطلقات النقد الحديث، أن يُبرز مساهمات ذاك المنحى النقديفي فهم الأساليب الفنيَّة والصياغات التعبيريَّة والتضمينيَّة والترميزيَّة، والتشكُّل الفنِّي والاتقان الذي ينهض عليه الشعر.
حينما يستلُّ د. فانوس فاعليَّة اللحظة الشعريَّة في النَّصِ الأدبي، قيمةً معرفيَّةً تثاقفيَّة، عبر شبكة بنائيَّة مُتباينة أو هي كانت شديدة التنوُّعِفيما بينها، عبر تفاعل وجودي.
ها إنَّ الدكتور عبد الحسين شعبان يتثاقف وقُدسيَّة الهالة الشعريَّة :” إنْ كُنتَ في حضرة الجواهري ستكون في حضرةِ الشعر، بل إن مثلهذا الشعور لا يكاد يفارقك، وكأنك تدخل بجلال وهيبة مملكة الشعر؛ فكل شيء في تلك الحضرة ينبض بالشعر. الجواهري بقامته المديدةوفصاحته وأصابعه الطويلة كأنه عازف بيانو، يدهشك حين يستحضر التاريخ، بقصيدته العمودية الموروثة والملّونة بأطياف الحداثة؛ بتحديهوتناقضه؛ بانفعالاته وردود أفعاله؛ بمعاركه الأدبيَّةِ وخصوماته السياسية والشخصية، يظهر واضحاً جليًا، لا يعرف الأقنعة وقد امتهن الشعرفناًّ وذهناً ومزاجاً”.
حيث تسطعُ فاعليَّة العلاقة التواصليَّة ما بين الكاتب والقارئ، من خلال الحيويَّة والديناميكيَّةِ الأساس، تلك المُرابضة في صلب المتن الشعريِّ/ أو حتَّى المتن الحِكائيِّ أو القَصصيِّ أو المسرحيِّ أو الايمائيِّ أو الترميزيِّ أو الأسطوري، للنصِّ الشعريِّ، عبر حُقبهِ التاريخيَّة المُتعدِّدة،ومدى الاتقان المتوفِّر في حضورهِ الترميزي والمدلولاتيِّ والإنسانيِّ.
فنحنُ نقِفُ على شذرات من تجرُبةِ د.عبد الحُسين شعبان، المُستمرَّة. تجربةُ رجلٍ منهجيٍّ، عقلانيِّ موضوعيّ، يُغامر في السياسةِ والأدبوالنِّضال الاصلاحيِّ في المُجتمع والأُمَّةِ، انخرط في سبر غور المساحة الديناميَّة للفِعل الشعريِّ عند محمد مهدي الجواهري، حينما خصَّهبكتابين إثنين فريدين في تشكُّلهما: (جواهر الجواهري) و(الجواهري جدل الشعر والحياة)، مُعبِّراً عن ذاك العشق الأزلي لتكوُّن الفعلالجماليِّ في شعر الجواهري، يقول عبد الحسين شعبان: “نحن لم نكن أمام شاعر وحسب، بل حالة من الشّعر“؛ مُحفِّزاً الجواهري ليقولعن صديقه النَّاقد الأدبي: “إنَّهُ الواحة الأكثر اخضراراً والأغزر ينابيع”.
ينطلق د. عبد الحُسين شعبان في قراءة الفِعل النقدِّي للاضاءة على الروعة الفنيَّة المميَّزة، وتكوين الفِعل الشعري في عالم خاص جداً،متمايز وفريد عند الشاعر محمد مهدي الجواهري، هُناك يتمثَّل محراب الشاعر في هيكل شاعريته وكينونته.
الدكتور عبد الحُسين شعبان،
فهو كاشِفُ الآتي من آلهةِ الطينِ والزيتونِ وقناديل الشَّفقِ، أرجوحةً للقمر.
*****

منى رسلان: أستاذة النقد الأدبي المعاصر والمنهجية، في كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة (الفرع الأوَّل)، في الجامعة اللبنانية
بيروت، الاثنين 24 أيَّار / مايو 2025
{قدَّمتُ قراءتي النقديَّة بعنوان: التثاقف المعرفيُّ بين الإنسانيِّ والشعريِّ في انتاج المُفكِّر العراقي د.عبد الحُسين شعبان:
“ومضةٌ من رحلته مع محمَّد مهدي الجواهري“، خلال ندوة التَّتي عُقِدت مع “الأكاديمي والمُفكِّر العربي الكبير عبد الحُسين شعبان،بعنوان: الثقافة والتَّنوير بين الفكر والممارسة” _ برعاية اتِّحاد بلديَّات الغرب الأعلى والشحَّار؛ نادي الكتاب اللُّبناني – فرع د. نازل أبوعلوانعابد. يوم السبت 5 نيسان / أبريل 2025- قاعة عيناب العَّامة }.