جاليريشخصيات

كمال ربيع: التخلي عن المعروف من أجل إضافة ما هو غير مألوف

متحف دارنا - عبدالرازق عكاشة

الفنان كمال ربيع، الورد الذي فتح في جنانين مصر، يتعطر الأرض كل صباح برائحة الباحثين، ويحيي المبدعين داخل الحلم. الأرض تكحل عيونها بكحل الصادقين عند إنتاج كل عمل أصيل. تتلاحم مع شمس النهار فتتكشف وتتنوع الوجوه في كل الوجوه. هنا، يمكنك أن تلمح الطيب والشرير، الجدع والخبيث، وسط الزحمة والتعب، والأرهاق وسط الزيف والنزيف. وعلى أسفلت الطرقات تلمح الناس الطيبة، القاعدة الطيبة، مجموعات لا تزال تحافظ على حبها للفن والوطن والصبر.

نموذجًا على ذلك، نجد ميادة، المونتير الجدعة، ومحمد سيد توفيق، ود. حنان سمير، أجمل ضحكة وطيبة وقلب فنانه، وجاسر النظيف، المخرج والعازف. التلاقي بين هؤلاء يبنى على الروح الإنسانية ووجع السنين من مقاومة الغش والزيف. وفي المنتصف، تجد الفنان المبدع كمال ربيع، راقص البالية، مخرج المسرح، مشاغب ثقافيًا وفنان تشكيلي ابن اللذين.

من هم اللذين؟

هنا تبدأ الحكاية: عندما تقف أمام مبدع متجدد وباحث طلائعي (أفنغاردست)، اسأل عن البيئة المحيطة. لأن غالبية المبدعين الجادين والصادقين الذين قدموا تجارب جديدة وجادة، كانت البيئة والمناخ لهما تأثير كبير، سواء كانا بيئة إبداعية أو بيئة قاسية. لكن كمال، ابن محامي مثقف يساري حر، يسكن في وسط البلد، وسط الزحمة الاجتماعية والثقافية، كان شاهد عصر على الحقيقة والغش. أما أمه العظيمة المثقفة، فكانت إنسانة ولها خبرات هامة في العمل الإنساني، في حين كانت أخته ترقص البالية في الأوبرا. هذا المناخ كان مهمًا ويدعو للتأمل والبحث كتركيبة مختلفة بعض الشيء.

البحث والرقص واللون

كمال ربيع كراقص بالية ارتبطت حركة جسده بالفضاء، بالسماء، بالتحليق في الخيال، وبالدوران الصوفي المرتبط بمركزية الكون. من هنا، عندما يهبط من على خشبة المسرح (الركح كما يقولون في تونس)، يهبط جسده لكن تظل عاطفته متعلقة بتلك المساحة من التلاعب في الفضاء والخيال. (كمال والخشبة والفضاء) كلها عناصر تدفعه كي يبدأ في التلاعب بها كعمل فني تشكيلي.

هل هو مجرد لون على خشب؟ أم تشكيل بصري في فراغ الفضاء الكوني؟ عند ابن كل هذه المردفات، الموضوع مختلف وأكثر إثارة. وجوه من الخشب بطريقة تعبيرية تلقائية، في ذات الوقت شديدة الحرفية. كم المتناقض والفعال والمتفاعل، كم النبض الوجداني والإنساني والروحي في أعمال كمال. الحرص على الحالة وتوظيفها كبعد رائع للشكل، وشكل العرض الجديد والمتجدد والبناء.

وجوه تعرضها في الفراغ

وجوه، نعم، تصلح لعرض مسرحي تجميعي، تصلح لأن تكون عملًا تركيبيًا (إنشائيًا في الفراغ)، أو تنصيبات هوائية كما عند (كارد) التنصيب في الهواء أو الفراغ. أو يمكن تجميع تلك الوجوه على خطوط متوازية، تختلف طرق عرضها حسب مزاجية الفنان المبدع كما في عرضه الأخير الجماعي بأكاديمية الفنون المصرية. كل ذلك وأنت تشاهد أعمال الفنان كمال ربيع، تندهش ويندهش قلبك.

الإبداع والدهشة

هنا، سؤال الإبداع الأساسي: أليست الدهشة هي البذرة الأولى المحركة للإبداع؟ الشهقة الاستغراق، الاستغراب، والأسئلة كلها عوامل محرضة كطاقة على الإبداع. كمال يبني طريقًا مختلفًا خاصًا به ومتفردًا، دون الوقوع في الخذلقة أو التقليد أو تكرار ما هو روتيني بصريًا على العين المصرية، للأسف.

في أعمال كمال ربيع، حالة جديدة ومختلفة وخاصة. لا أقصد أنها حالة جديدة بمعزل عن المحترف المصري، لكنها حالة جديدة في طرح جديد للشكل والنص البصري والوجوه، والتمرد على المتعارف عليه لصالح تقديم ما هو ساكن في الخيال. التخلي عن المعروف من أجل إضافة ما هو غير مألوف. التخلي عن ما هو مباشر لصالح ما هو خيالي مسكون بالوجع والحلم والتجديد في الشكل.

المعرض الخاص

أعمال مميزة وجديدة فيما يخص بحث كمال ربيع البصري، أعمال تجذبك للمشاهدة ثم تسيطر عليك، رافضة عدم مغادرتك دون أن تطرح أسئلة على نفسك وعلى الفنان. الآن، أعتقد أن الدور الآن على الفنان نفسه بأن يتقدم لقاعات العرض، ويطرح مشروعه في عمل معرض خاص بعد أن امتلأت سيرته الذاتية بالمعارض الجماعية.

متحف دارنا – عبدالرازق عكاشة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى