أحداثأدب

جمالية السرد في رواية هويدا صالح (ثلاث طرق للسعادة)

بقلم: محمود الدخيل ـ الأردن

تتناول هذه الدراسة رواية “ثلاث طرق للسعادة” لهويدا صالح، التي تجسد رحلة نفسية واجتماعية معاصرة، عبر رؤية سردية مبتكرة، حيث تلتقي الأنساق الثقافية مع فلسفة الزمن بطريقة تعكس صراعات الذات والهوية في بيئة متغيرة.

تعد الرواية فنًا سرديًا يفتح آفاقًا واسعة لفهم الإنسان والمجتمع عبر الأزمان والأمكنة المختلفة. وبتوظيف طرائق سرد متنوعة، تتداخل الأنساق الثقافية والجمالية مع فلسفة الزمن والزمكانية، فيخلق النص الروائي فضاءً غنيًا للتحليل النقدي العميق. هذه الدراسة تسعى إلى تقديم إطار نظري شامل حول هذه المحاور، ثم تطبيقه عمليًا على رواية “ثلاث طرق للسعادة” لهويدا صالح، لاستكشاف البنية السردية والثقافية والفلسفية التي ترتكز عليها.

 

. طرائق السرد:

تتنوع طرائق السرد بين الراوي العليم، الراوي المحدود، الراوي المشارك، وغيرها من الأساليب التي تحدد كيفية نقل الأحداث وتوزيع المعلومات على القارئ. يشكل اختيار طريقة السرد أداة فاعلة في بناء الزمن السردي، وتشكيل العلاقة بين الراوي والقارئ، وكذلك في بناء وعي الشخصية داخل النص.

 

طرائق السرد في الرواية

توظف هويدا صالح في الرواية تقنية السرد المختلط، حيث ينتقل الراوي بين ضمير الغائب والضمير المتكلم، مما يوفر رؤية داخلية وأخرى شاملة. يظهر في الرواية استدعاء الذكريات بطريقة الاسترجاع، التي تتيح للسرد أن يعيد تركيب اللحظات الماضية بإحساس الحاضر، وبذلك تتداخل أزمنة الرواية.

هذه التقنية تعطي النص بعدًا نفسيًا، فهي تسمح للقارئ بدخول دواخل الشخصية، خاصة البطلة، حيث تتوزع الأصوات وتتنازع الأحاسيس، فيضفي ذلك على السرد شفافية تأملية وحسية في “ثلاث طرق للسعادة”، تستخدم هويدا صالح راوٍ بضمير المتكلم أحيانًا، وهو ما يمنح النص بُعدًا شخصيًا وحميميًا، وفي أوقات أخرى تنتقل إلى راوٍ عليم يطل على كل الأحداث، مما يوسع أفق الرؤية. هذا التنقل بين الراويات يعكس تعددية الزوايا السردية ويعزز تعدد الأصوات داخل النص.

تُظهر الرواية استخدام تقنية السرد غير الخطي، حيث تتداخل أحداث الماضي والحاضر، وتُعاد مراجعتها من خلال ذكريات الشخصيات وتصوراتهم المختلفة. هذا الأسلوب يُبرز الصراع النفسي والبحث عن المعنى، ويُعمق حس القارئ بالزمن الموضوعي والذاتي في آن واحد.

الأنساق الثقافية في الرواية

تتنقل الرواية عبر طبقات ثقافية واجتماعية متعددة، تعكس صراعات الهوية والتغير الاجتماعي في المجتمعات العربية المعاصرة. تبرز عادات المجتمع وتقاليده من خلال الأحداث اليومية وشخوص الرواية، التي تتصارع بين التقاليد والحداثة، بين الأجيال وبين رغبة الفرد في تحقيق السعادة بمعناها الخاص.

تُسلط الرواية الضوء على قضايا المرأة وحقوقها في مجتمع محافظ، حيث تشكل أبعاد التوتر بين الحرية الشخصية والالتزام الاجتماعي جزءًا مهمًا من الصراع الدرامي,

تحتل الأنساق الثقافية مكانة بارزة في الرواية، حيث تنعكس التوترات بين القيم التقليدية والحداثة على شخصية البطلة وعلاقاتها. يظهر ذلك جليًا في الصراع بين حرية التعبير الفردي والالتزام الاجتماعي، وكذلك من خلال صورة الأسرة ودورها في تكوين الهوية.

يبرز في النص انعكاس المجتمع العربي المعاصر، مع تأكيد على موقع المرأة وتحدياتها، وهو موضوع يحمل دلالة رمزية على البحث عن الذات والكرامة في إطار ثقافي معقد..

.

الأنساق الجمالية في الرواية:

تتسم لغة الرواية بالبساطة العميقة، مع توظيف مكثف للصورة الشعرية التي تجعل من النص مشهدًا حيويًا نابضًا بالمشاعر. استُخدمت الرموز بشكل متكرر لتعميق المفاهيم مثل السعادة، الحرية، والقيود الاجتماعية، فتتحول العناصر اليومية إلى دلالات رمزية تعبر عن صراعات الإنسان الداخلي والخارجي.

التناص مع نصوص عربية وغربية أخرى يظهر بوضوح، مما يعكس انفتاح الرواية على الموروث الثقافي الإنساني العام.

فلسفة الزمن والزمكانية في الرواية

تستكشف الرواية مفهوم الزمن من خلال التجربة الشخصية للبطلة، حيث يتداخل الماضي بالذاكرة مع حاضر الشخصية، ويتماهى الزمن مع المكان ليُنتج زمكانية متعددة الأبعاد. الزمن هنا ليس مجرد خلفية، بل هو عنصر فاعل يتفاعل مع النفس البشرية، يعكس الألم والأمل، التغيير والاستقرار.

ينعكس هذا في بنية الرواية التي تُقسّم إلى فصول مختلفة تمثل كل منها مرحلة من مراحل البحث عن السعادة، لتؤكد أن الزمن رحلة معقدة متعددة الطبقات لا يمكن اختزالها في خطية واحدة.

تمثل الرواية نموذجًا للتعامل مع الزمن والزمكانية عبر النص، حيث تتداخل الذكريات بالمواقف الحالية، ويتداخل الزمان الشخصي مع الزمان الاجتماعي. الزمن في الرواية متشظٍ وغير خطي، يعكس تقلبات النفس البشرية، وتغير مواقفها تجاه مفهوم السعادة.

تتحرك الرواية في فضاءات متعددة، في المدينة، في البيت، وفي عوالم داخلية للشخصيات، مما يجعل الزمكان إطارًا متعدد الأبعاد يعكس التنوع والتعقيد في التجربة الإنسانية.

تُظهر رواية “ثلاث طرق للسعادة” لهويدا صالح كيفية توظيف طرائق السرد المتعددة، الأنساق الثقافية والجمالية، وفلسفة الزمن والزمكانية في بناء نص روائي غني وديناميكي. من خلال هذا الدمج المتقن، تقدم الرواية رؤية متعمقة للإنسان في صراعه الدائم مع ذاته ومجتمعه، وتسبر أغوار البحث عن السعادة التي لا تكون إلا متعددة الأوجه والأبعاد.

تُعد رواية” ثلاث طرق للسعادة” سردية توثق التفاعل بين الإنسان والزمان والمكان، وتقدم فسيفساء ثقافية وجمالية تعكس حياة الأفراد والمجتمعات. مع تطور السرد الروائي، باتت الطرائق التي يتبعها الروائي في سرد الأحداث محورًا رئيسيًا لفهم النص، خاصة عندما تتقاطع مع الأنساق الثقافية والجمالية، التي تشكل الهوية الروائية، وتعكس فلسفة الزمن والزمكانية التي تراها الكاتبة أو تستحضرها في بنية العمل، حيث تتناول .

رحلة إنسانية عبر تجربة شخصية واجتماعية عميقة، مستكشفة حالات السعادة بمفاهيمها المتعددة التي تختلف من فرد إلى آخر، وتحتل فيها قضايا المرأة، الهوية، الصراع الاجتماعي مكانة مركزية.

تُستخدم اللغة بأسلوب يمزج بين البساطة والعمق، حيث تغلف الصور الشعرية الوصف العادي، مما يمنح النص جمالية خاصة. الرموز مثل “السعادة” نفسها، أو “الثلاث طرق” تمثل مفاهيم مجردة عن الوجود والحياة، تعكس فلسفة الشخصية والكاتب.

نجحت رواية “ثلاث طرق للسعادة” في استثمار طرائق السرد المتنوعة، وتوظيف الأنساق الثقافية والجمالية، إلى جانب فلسفة الزمن والزمكانية، لتقديم نص روائي غني ومتنوع الأبعاد. هذا النموذج يثبت أن الرواية الحديثة ليست مجرد سرد للأحداث، بل هي تركيب معقد يعكس النفس البشرية ومجتمعاتها في أبعادها المتعددة.

يبقى العمل الأدبي، من خلال هذا التقاطع المعرفي، فضاءً حيويًا يتفاعل فيه

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى