
صدر العدد الجديد من مجلة عالم الكتاب (يونيو 2025) مبحرا بقرائه عبر العديد من الملفات الدسمة والحوارات الحية وعروض الكتب والمقالات النقدية.
افتتاحية رئيس التحرير الشاعر عزمي عبد الوهاب جاءت تحت عنوان “في محبة عبلة الرويني”. سطور الافتتاحية تتناول سيرة الرويني الإبداعية التي بدأت بكتابها “الجنوبي” وكيف ظلمت هذه السيدة بسبب أن الجميع يعرفها دائما بأنها زوجة الشاعر أمل دنقل رغم ما تتمتع به من موهبة بالغة ولغة شعرية رائقة ورؤية نقدية عالية.
وضمن اهتمام نوعي بالمرأة المبدعة، عبر أعداد سابقة للمجلة، يأتي أيضا ملف العدد الرئيس عن الشاعرة “سيلفيا بلاث” التي صدر عنها كتاب مهم بعنوان “صناعة سيلفيا”، بقلم واحد من أهم كتاب السير الفنية في العالم هو: “كارل روليسون”، وهو تحليل فريد من نوعه لوسائل الإعلام والأدب، التي شكلت الإنجاز الأدبي لسيلفيا بلاث، حيث يغوص بعمق في الثقافة الفكرية والشعبية في عصر سيلفيا، ليرى كيف تأثرت بفنون السينما والكتب والأفكار الرائجة في عصرها.
يُسهم روليسون في إعادة تأهيل الأفكار السلبية عن بلاث، ككاتبة قاتمة وجادة للغاية، وتحويلها إلى امرأة عاشقة للأفلام والموضة والعالم من حولها، وسعت بدورها إلى المساهمة في تشكيل هذا العالم، وليس هذا هو الكتاب الأول لكارل حول سيلفيا، فلديه كتابان: سيلفيا يوما بيوم، وإيزيس الأمريكية.
يرصد في كل هذه الكتب كيف اتخذت حياة وعمل سيلفيا بلاث أبعاد الأسطورة، حيث تم التنازع على قصائدها، ورفضها، وقبولها، وفي النهاية، احتضنها القراء في كل مكان، توفيت في الثلاثين من عمرها، وانتحرت بوضع رأسها في فرن، بينما كان أطفالها نائمين.

كارل حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة تورنتو، وقد ألّف أكثر من أربعين كتابًا تتناول موضوعات متنوعة، من بينها السير الذاتية لمارلين مونرو، ليليان هيلمان، مارثا غيلهورن، نورمان ميلر، ريبيكا ويست، سوزان سونتاغ، جيل كريغي، دانا أندروز، سيلفيا بلاث، إيمي لويل، ووالتر برينان، إلى جانب دراسات في الثقافة الأميركية، وعلم الأنساب، وسير الأطفال الذاتية، والسينما، والنقد الأدبي.
نشر كارل أكثر من 500 مقالة عن الأدب والتاريخ في كل من أميركا وأوروبا. وقد نالت أعماله مراجعات نقدية في صحف بارزة مثل نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وصنداي تلغراف، وتايمز ليتراري سوبليمنت (TLS)، وكذلك في مجلات أكاديمية مثل الأدب الأميركي وقاموس السير الأدبية.
بين عامي 2003 و2007، كتب عمودًا أسبوعيًا بعنوان “عن السيرة الذاتية“ لصالح صحيفة نيويورك صن، كما شغل منصب رئيس جمعية ريبيكا ويست خلال نفس الفترة.
أما الملف الثاني فعن الفنانة المكسيكية العالمية “فريدا كالو”، وزوجها دييجو ريفيرا وعن علاقتهما وتأثيره عليها وعلى فنها، وما تعرضت له من حوادث أثرت على حركتها وفنها أيضا، حتى أصبحت أسطورة عالمية وأيقونة من أيقونات التحرر والفن التشكيلي العالمي.

في باب حوارات حاورت المجلة اثنين من وجوه الثقافة المصرية، الكاتب الروائي الكبير صنع الله إبراهيم، والشاعر كريم عبد السلام، مع مختارات شعرية من ديوان كريم الجديد.
في باب خارج النص ترجم حمزة بن قبلان المزيني مقالا مهما للروائية والكاتبة الكندية ناعومي كلاين بعنوان: “نحن بحاجة إلى هجرة جماعية من الصهيونية”، والمعروف أن كلاين من الكتاب المهمين في العالم الذين يناهضون الصهيونية وتدافع بحرارة عن الحق الفلسطيني، ولها مواقف مشهودة في هذا السياق، كما قادت العديد من المظاهرات التي تدافع عن غزة ضد الغزو الهمجي الصهيوني.
في باب “ضفاف” يكتب الشاعر اللبناني إسكندر حبش عن كتاب “اعترافات جسد” للمفكر الفرنسي ميشيل فوكو الذي صدر بعد رحيله، ويقدم حبش للكتاب قائلا: “انتهى الزمن الذي كانت فيه رائحة ميشيل فوكو تشبه رائحة الكبريت التي تثير الرعب من حولها، لقد اصبح الآن في وقتنا الراهن صنما، لا يمكن لنا أن نزعزعه، قد يكون من الممنوع أن نخالف ذلك، حتى لو أدى بنا أن نبدو كالفأرة، التي تظن نفسها بحجم الفيل”.
في الباب نفسه يكتب الروائي أحمد فريد المرسي عن رواية ديستويفسكي الشهيرة “الجريمة والعقاب … رحلة تطهير الذات”، ويكتب علي حسين عن رحيل الروائي الإفريقي العالمي نغوجي واثيونغو الذي لم يغادر قوائم نوبل ومات قبل الحصول عليها الكاتب، وتكتب رشا عامر عن يوميات زوجة تولستوي، كما كتبت لطفية الدليمي عن المترجم على عبد الأمير صالح المتفوق في كل صنائعه.
في باب مراجعات هناك العديد من المقالات النقدية بأقلام كتاب مصريين وعرب حول أحدث الروايات والدواوين الشعرية والمجموعات القصصية، فتكتب ياسمين مجدي عن ديوان محمد أبو زيد “فوات الأوان”، ويكتب ممدوح عبد الستار عن “رسائل مشفرة” لأحمد محمد عبده، ويكتب عبده الزراع عن “مملكة الأمنيات” لندى مهري، وتتناول رابعة الختام رواية روبير الفارس “توت فاروق”، ويكتب الشاعر خالد عبد المحسن عن رواية أحمد الشريف “رجل الفودكا”، ويكتب سمير حكيم عن “برديات الجنوبي” لأيمن الداكر. ويتناول باب “صوت وصورة” قراءة في دكتور جيفاكو بين الرواية والفيلم، للفنان والكاتب العراقي المقيم في كندا هادي ياسين.
وفي باب “تحت الطبع” تنشر المجلة فصلا من الكتاب الجديد (الرحلات المصرية إلى الهند- أدب أشرف أبو اليزيد أنموذجًا) بعنوان “آليات سرد أدب الرحلة عند أشرف أبو اليزيد” للباحث الهندي الدكتور محمد سعيد، يقول فيه:
وعلى سبيل المثال للسرد الوصفي، يبدأ فصل رحلته (تحت سماء كجرات) بأسلوب روائي فاتن ، يمس مشاعر وأحاسيس القراء بسرد قصصي، واصفا مناظر ومشاهد ولاية كوجرات الهندية ذات بهجة وروعة: “مساجدٌ ومعابدٌ، شيوخ يتعبِّدُون آناء الليل، ونسَّاك زاهدون عن ضجيج النهار، مناراتٌ تهتزُّ، وأخرى تختفي، بوابات مهجورة، ودروب مزدحمة، بيوت ليس لها من سمت البيوت شيء، وقصور تستعيد أبهة عصور السلاطين، متاحف نادرة في عرض الطريق، ومقتنيات آسرة تحت حراسة مشددة، أضرحة تعانق قبابها المزركشة السماء، وقبور تفترش توابيتها الحجرية الأرض، غابات من صفيح، وأشجار من أسمنت، وأسوار من خيش، وشواهد من حجر، وهواء من رماد، إنها السماء التي تحتها تنام أحمد آباد وسورات وفودرا وغاندي نَجَار، وكثير من مدن محافظة كوجرات الهندية، متلحفة بألف لون ولون.”، كما جاء في كتاب أشرف أبو اليزيد “نهر على سفر”.
ومن تقنيات السرد في الرواية: بنية الزمان والمكان، وبإلقاء النظر إلى تراكيب الرحلة، يبدو هذا اللون جليا حيث يعكس بنى الزمن والمكان للوقائع والأحداث بالتسلسل الزماني وترتيب الأحداث إلى حد ما، مع ذكر الشخصيات مزيجا بين الجمال والخيال. وذلك كما في ختام عرش السلطان أكبر: “أخيرًا، سنصل إلى المكان الذي يجتمع فيه علية الرجال في بلاط السلطان أكبر، كأني أسمع مشورتهم، وإخبارياتهم. كأني به أراه يغضب على أحدهم فيأمره ببدء رحلة الحج، وهي الرحلة الأخيرة في حياة أحدهم. كأني أرى، قرب بركة المياه، منصة تبدأ عليها وصلة من الفن، لعازفين وراقصات. هنا عرش السلطان أكبر الذي جمع خصالا وخصائل فرقت الآراء حوله، ولكنه يبقى رمزا لإمبراطورية كبيرة، ذهب رجالها، وبقيت آثارها، وعاشت قصصها تُروى، من أجل عبر وآيات منسية، أو تكاد.”
تتمثل البنية الزمكانية جلية من طريقة سرده محطات ومنازل السفر، وتفاصيل الحل والترحال. مثلا : “نحن الآن في دلهي، أوكما كان اسمها مدونا قديما دهلي، سننتقل إلى نقطة تالية من المحطات التي تحمل بصمات جلال الدين مثل عاصمته فتح بور سيكري، في راجستان، وحتى ميناء سورات في كوجرات، ووصولا إلى آكرا حيث ضريح تاج محل. رقعة جغرافية كبيرة تشير إلى اتساع ملك السلطان الذي شهد نشاطات عسكرية، وصولا إلى بلاط السلطان الذي كان قبلة المؤرخين ومحج الأدباء ومجلس المفكرين وقاعدة العقائد والمذاهب ومدرسة العلماء، ومنهم من كان مقربا في مجلسه الخاص (خاص- ي – محل)، الذي سمي في جل الكتابات التاريخية عبادت خانه،أو مكان العبادة. نحن هنا في دهلي التي تمثل مع سلطانها، مركز الهندوستان ونهاية طبقة سلاطينها.”
والطابع الأدبي يتجلى بشكل واضح من خلال تطلعه من شرفة بيت ‘أسلم’ إلى آثار مدينة أحمد آباد، وعرض رثاءه للآثار الإسلامية والعمارات الغابرة الآيلة للزوال، تحت ترجمة عمارة آيلة للزوال:”من شرفة بيت أسلم، أتطلع إلى إحدى بوابات المدينة، تحكي مجدًا غابرًا. كل الأمجاد في أحمدآباد غابرة، ليس فقط نسبة إلى زمان مضى، بل أيضا لكونها في حاضر مليء بغبار العوادم. الآثار الإسلامية العظيمة في المدينة بلا استثناء في حال يُرثى لها، لم تمتد إليها يدٌ لترمم مكانا أو تجدد آخر أو تحيي أثرًا. هنا آثار أحمد آباد متروكة لمصيرها. جُل المساجد تهدمت مآذنها، كثير من بيوت الله لم يعد لها سوى القباب، حتى المسجد الجامع، أكبر مساجد أحمد آباد! إنها دعوة إلى مؤسسة الأغا خان للعمارة الإسلامية لتقيم مسابقة لترميم المدينة، أو نداء إلى اليونسكو ليتبنى إنقاذ آثار عمرها قرون، أو استغاثة موجهة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي للاهتمام بترميم مساجد تراثية شهدت ميلاد الإسلام في شبه القارة الهندية. فتراث مدينة أحمد آباد المعماري الأصيل قد يزول ذات يوم، والدول الراعية للتراث الإنساني والإسلامي منوطة بإنقاذ المدينة العتيقةالمسوَّرة المشهورة بشوارعها الضيقة التي تشبه متاهات أبدية.”
الصفحة الأخيرة لعالم الكتاب خصت فيها نور حريري حديثها عن حقبة ما بعد الاستعمار وشبح رأس المال. وتصدر المجلة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، التي يرأسها الدكتور أحمد بهي الدين.