
باريس – طريق الحرير اليوم
أعرب الفنان التشكيلي والروائي عبد الرازق عكاشة عن سعادته الغامرة باقتناء عمل فني نادر يحمل توقيع وأختام متحف فرناند ليجيه، بعنوان “فرناند ليجيه: الفن الحديث والثقافة الشعبية”. وأوضح عكاشة أن هذا العمل هو الاسكتش الأصلي الذي صُمم كملصق لشعار جامعة السوربون عام 1946، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت تزاوجًا بين الحداثة الفنية والثقافة الشعبية.

تُجسّد هذه اللوحة التي تحمل عنوان “Croquis de mémoire” (اسكتش من الذاكرة) أسلوب الفنان الفرنسي الكبير فرديناند ليجيه (1881–1955)، أحد أبرز رموز الحداثة الأوروبية، الذي أسهم في تطوير التكعيبية وتحويلها من دراسة شكلية للأبعاد والمنظور إلى تجربة لونية وحركية قريبة من نبض الحياة الحديثة.
العمل، الذي يُرجّح أنه يعود إلى أربعينيات القرن العشرين، يختزل السمات الأساسية لأسلوب ليجيه في مرحلته الناضجة: الخطوط السوداء الغليظة التي تحيط بالشكل الإنساني، التقسيمات الهندسية الصارمة، واستخدام الألوان الأساسية (الأحمر، الأصفر، الأخضر) في مساحات مسطحة متجاورة. هذه التقنية تعكس إيمانه بأن الفن يمكن أن يكون بسيطًا في أشكاله، لكنه غنيًا في إيقاعه البصري، وقادرًا على التعبير عن الحداثة الصناعية والمدنية.
في هذه اللوحة، يطلّ وجه إنساني مجرّد، كأنه ذاكرة بصرية محاطة بعلامات هندسية لونية. الخطوط تعرّف ملامح الوجه، بينما تقطعها مساحات اللون العمودية والأفقية، فتخلق حوارًا بين البنية العضوية (الوجه) والبنية الهندسية (المستطيلات والمربعات). هذا الحوار بين الإنساني والصناعي كان من ركائز رؤية ليجيه الجمالية.
اللوحة، التي تحمل توقيع M. Liégard إلى جانب اسم العمل، قد تكون نسخة طُبعت أو أُعيد إنتاجها ضمن ملصق فني أو بوستر لمعرض، وهو ما يتماشى مع نهج ليجيه في نشر فنه عبر المطبوعات، إذ كان يؤمن بأن الفن لا ينبغي أن يظل حكرًا على المتاحف وقاعات العرض، بل يجب أن يكون في متناول الجميع.
كما أن عبارة الجمعية البريطانية المرافقة لبعض هذه النسخ — “احترام، وتعلّم، وتبادل مستمر عبر المحيط الأطلسي” — تلمّح إلى روح التعاون الثقافي الدولي التي كانت نشطة بعد الحرب العالمية الثانية، حين لعب الفن دورًا في مدّ جسور التواصل بين أوروبا وأمريكا.
اليوم، بعد مرور قرابة ثمانين عامًا، تظل هذه اللوحة شاهدًا على رؤية فنية جعلت من البساطة الهندسية لغة عالمية، ومن الألوان الصريحة جسرًا مباشرًا نحو ذاكرة العين
وأكد عكاشة أن الاسكتش سينضم قريبًا إلى مقتنيات متحف دارنا الكائن في قلب نيل مصر، مشيرًا إلى أن “أجمل ما في الأمر هو أن تضع كل ما تملك في حلمك من أجل الآخرين، خاصة في زمن تغلب عليه الأنانية”.
كما كشف عكاشة عن وصول مجموعة أعمال نادرة من اليابان أرسلها أصدقاؤه هناك، وهم الإمبراطور منشو ياما، والفنانة ما يوري أوكيدا، والفنانان ماسكو وسوكو أوشيدا، للمساهمة في استكمال جناح اليابان داخل متحف دارنا.
واختتم عكاشة قائلاً: “المهم أن تحب بلدك وتكتب لك سطرين في صفحات الإنسانية… نعم، فرناند ليجيه في متحف دارنا، حلم وها هو يتحقق”.