
نشر د. أحمد السعيد كلمة خلال حضوره اليوم مؤتمر الحزام والطريق بالصين، قال فيها:
منذ عشرين عامًا كنت حديث التخرج من قسم اللغة الصينية بجامعة الأزهر، وقفت داخل مكتبة كبرى بالقاهرة أبحث عن كتاب واحد عن الصين يفتح نافذة على الصين للقارئ العربي، فلم أجد شيئًا.
في تلك اللحظة أدركت أن الفجوة بين عالمينا ليست في المسافة الجغرافية بل في غياب المعرفة المتبادلة. ومن هنا انطلقت رحلتي مع بيت الحكمة التي وصلت لأكثر من ٧٠٠ كتابا مترجما ومئات الفعاليات والمشاريع، لأجعل من النشر جسرًا حيًا بين الشرق والشرق.
واليوم، وأنا أشارك في ملتقى الحزام والطريق لتبادل خبرات التعاون في النشر 2025 في قوانغتشو، شعرت أن ما بدأ كمبادرة فردية قبل عقدين صار جزءًا من رؤية جماعية أكبر. هذا المؤتمر ليس مجرد تجمع مهني، بل هو منصة حضارية تؤكد أن النشر أصبح اليوم بنية تحتية أساسية، تحدد مكانة الأمم في النظام الثقافي العالمي، وتفتح الطريق لبناء حوار إنساني عابر للغات والقارات يتخطى الخلافات وأي نزاع.
في كلمتي بالمؤتمر عرضت ثلاثة مقترحات عملية أرى أنها بالغة الأهمية لمستقبل قطاع النشر العربي:
1️⃣ منصة رقمية عربية–صينية مشتركة: هذه المنصة لن تكون مجرد أداة تقنية، بل نقلة نوعية لقطاع النشر العربي الذي يعاني من ضعف في البنية الرقمية. من خلالها يمكن للناشر العربي أن يصل مباشرة إلى القارئ في الصين والعالم، وأن يدخل في سوق عالمي تنافسي بدلًا من البقاء في إطار محلي محدود.
2️⃣ صندوق لدعم الترجمة والرقمنة: الترجمة هي المدخل الأوسع للتواصل الحضاري، لكن اعتمادنا في العالم العربي على المبادرات الفردية جعل جهودنا متناثرة وغير مستدامة. هذا الصندوق سيوفر موردًا ثابتًا لترجمة الأعمال العربية إلى الصينية والعكس، مع ضمان جودة عالية وتوزيع أوسع. والأهم أنه يضع النشر العربي في موقع المبادِر لا المتلقّي، ويكسر هيمنة الترجمات الغربية على سوق المعرفة.
3️⃣ أكاديمية تدريب للنشر: واقع النشر العربي يحتاج إلى دماء جديدة وأدوات عصرية. هذه الأكاديمية ستؤهل جيلاً من الشباب يجمع بين الوعي الثقافي واستخدام التكنولوجيا، ليكونوا قادرين على المنافسة عالميًا. بالنسبة للنشر العربي، هذا يعني الانتقال من “الاستهلاك” إلى “الإنتاج”، ومن التبعية إلى الريادة.
هذه المقترحات ليست مجرد أفكار، بل خطة عمل قابلة للتنفيذ، هدفها أن يصبح الكتاب العربي جزءًا فاعلًا في صناعة المعرفة العالمية، وأن يتجاوز حضوره حدود المنطقة ليشارك في صياغة الوعي العالمي.
لقد أكّد هذا المؤتمر أن التعاون في النشر هو أحد أكثر مسارات الحزام والطريق دفئًا واستدامة، وأن المستقبل لن يكون لمن يملك المصانع وحدها، بل لمن يملك القدرة على رواية القصة بلغات متعددة وبوسائط حديثة. وهنا تكمن فرصتنا: أن نجعل من الكتاب العربي أداة حوار ومفتاح حضور في العالم