

ألكسندرا فاسيليفنا أوتشيروفا — شاعرة، دكتورة في الفلسفة، عضو عامل في أكاديمية الفنون الروسية، سفيرة النوايا الحسنة لليونسكو، الرئيسة المشاركة للمجلس العام لجمعية شعوب العالم، والرئيسة المشاركة للحركة الروسية العامة “من أجل صون الشعب”. وُلدت في قرية بيريفليس بمنطقة ستاروجيلوفو (مقاطعة ريازان).
مؤلفة لأكثر من 30 كتابًا، من بينها كتب شعرية: «في بداية العالم كانت الكلمة”، “رحلة فوق المدينة معًا”، “اعتراف يطير فوق القباب”، “آفاقي”، ” الكونية الروسية” وغيرها. تواصل أشعار ألكسندرا أوتشيروفا نهج «الكوزمية الروسية» الذي بدأه شعراء العصر الفضي. وهي تقيم في موسكو.مؤخرًا جرت فعالية تقديم كتاب جديد لألكسندرا أوتشيروفا بعنوان “القَسَم”، خصصته لإحياء الذكرى الثمانين للانتصار في الحرب الوطنية العظمى. حول الروح الروسية والأغنية، واستحالة إلغاء أي ثقافة، وتعدد الأقطاب في العالم، وغير ذلك من القضايا، كان هذا الحوار مع ألكسندرا أوتشيروفا أجرته ماريانا فلاسوفا وأندريه يافني.
– ألكسندرا فاسيليفنا، حدّثينا: كيف ومتى دخل الشعر حياتك؟
على سبيل المثال، كان ألكسندر تيموفييفسكي يتذكر أنه في طفولته كان يصغي إلى القصائد من تحت الطاولة، ثم بدأ ينظم الشعر بنفسه. كيف كان الأمر معك؟
– بالنسبة لي، كان الشعر معي منذ الميلاد.
جاءني الشعر في هيئة صورة ولحن. كنت أشعر في اللغة المحكية بنوع من الحركية الصوتية التي تركت في نفسي أثرًا عميقًا. وحين تعلمت القراءة مبكرًا – في الخامسة من عمري – اكتشفت أن الشعر يمنح الطفل وسيلة إضافية لإدراك العالم، عبر الصور والإيقاع والمعنى. أذكر أن أول ما قرأته كان: “عند لوكوموريه شجرة بلوط خضراء…“ لبوشكين. وقد كان هذا أيضًا أول ما حفظته ابنتي وحفيداتي.
كل ما يرتبط بالشعر هو سر: جمال النغم، الصورة التي تحيا وتتحول مع مرور الزمن، ويترسخ في الذاكرة مدى الحياة. ورغم أنني لم أكن أملك معرفة كبيرة بالموسيقى في ذلك العمر، كنت أشارك في مسابقات الحي: من يعرف أغنيات أكثر أو قرأ كتبًا أكثر. وهناك، على لحن واحد مألوف، كنت أرتجل بسرعة وأصوغ أبياتًا جديدة، فأفوز دائمًا.
جدتي التي ربّتني كانت تقول بدهشة: «كيف؟! أنتِ لا تعرفين سوى أغنية واحدة: ضفتان؟» فأجبتها بصدق عن سرّي. ومن بعدها رافقتني كتب شعرية أخرى تركت أثرها في نفسي. كنت أميل منذ البداية إلى شعر الكبار، وإلى القضايا التي يطرحونها.
– مثل ماذا؟
– القضايا الفلسفية.
كنت أتساءل: ما هو العالم؟ من أين جاء؟ النجوم – كيف نصل إليها؟ ومن يعيش هناك؟ وحين كنت أرى الأيقونات والشموع مضاءة في البيت، كان اهتمامي يتوجه إلى العالم كله، إلى الإنسان بما هو هو. ومع مرور الزمن لم تتغير هذه المواضيع. إنها أسئلة بلا إجابات نهائية. يمكنك أن تدرس العالم والإنسان، لكن في الصيغة الأخيرة يبقى هناك غموض لا يُدرك إلا عند المطلق.

– كتابك الجديد يتناول أحداثًا خالدة في ذاكرة بلادنا، والناس الذين دافعوا عنها. لماذا كان مهمًا لك أن تخصصي هذا الإهداء؟
– إنه إهداء خاص.
المجموعة تضم قصائد جديدة وأخرى من كتبي السابقة. المواضيع ليست عابرة، بل بقيت في داخلي منذ اللحظة التي عرفت فيها كل ما يمكن معرفته عن الحرب. لقد شاركت أمي واثنان من أعمامي في الحرب، أحدهما قضى في معركة قرب رجييف. كانت أمي قناصة، وأبي وصل إلى برلين.
هناك شيء غير مكتمل الإفصاح في فكّ شفرات الإنسان، بما في ذلك الحمض النووي الذي يُورّث عبر الأجيال. فإذا كان الطبع يُورث، فلماذا لا يُورث أيضًا الانتماء والوطنية؟
كثيرون يسألونني: لماذا أكتب بانفعال شديد؟
الجواب أنني لا أستطيع العيش بغير ذلك. فموضوع الوطنية عندي ليس اصطناعًا ولا دعاية؛ إنه جوهر وجودي.
الإنسان الروسي هو قبل كل شيء روح، ولهذا قيل إنه “أكثر الشعوب غموضًا”، وقيل أيضًا: “روسيا لا تُفهم بالعقل”.
لقد كتبتُ مرة: إن الله لم يخترعه أحد. هو موجود. هو الخير الأبدي في جميع الأبعاد. ليس كل إنسان مُعطى له أن يعرف، لكن لكل إنسان القدرة على أن يشعر.
– كلمة “الوطنية”، كما أظن، فقدت في السنوات الأخيرة قوتها السابقة. كيف يمكن، برأيك، تغيير نظرة المجتمع إليها؟
– لا أستطيع أن أوافق على هذا الرأي. فالوطنية شيء عميق، محفور فيه عوامل تكوينية للنظام الاجتماعي. لكن صحيح أن هناك تحوّلًا قيميًا حدث، انتقالًا من منظومة إلى أخرى لا تتوافق إطلاقًا مع هوية الناس الذين يعيشون هنا منذ قرون.
برأيي، أكثر المجالات تشكيلًا للمعنى هي: الثقافة، التعليم، والعلم. ثم تأتي المعلومات، التي يجب مراقبتها، إذ إن الفضاء الرقمي يصنع بالفعل واقعًا آخر. أما الكلمة فهي، في رأيي، أهم ما في الثقافة، لأنها عبر المسار التاريخي صاغت الإنسان عموديًا في وعيه. ولهذا أعطي الأدب الأولوية.
– في شعرك، تتشابك بقوة موضوعات حب الوطن والإيمان. مثلاً في قصيدة “الفارس الحديدي” نجد هذه الأبيات:
“آمال النجاة والسعادة / في خلوة مع الحق والمعاناة… / أن تنظر من النافذة وتستمع إلى قلبك. / أن تحسّ بسكون الصلاة / ناسكًا منسيًا من الجميع، بارًا كان أم خاطئًا…“
كيف يظهر هذا في صورك الشعرية؟
– الإنسان يرى، كما ورد في الكتاب المقدس، بقدر ما يُعطى له أن يرى. أنا لا أختلق شيئًا قط، بل أكتب فقط عمّا يسكنني. إنني أستمد شعري من ذاتي، وأفضّل الشعر الفلسفي.
المواقف الحدّية تجبر الإنسان على تركيز ذاته وإعادة التفكير في كل ما يحدث.
– النظرة الفلسفية للعالم ووقائعه سمة بارزة في شعرك. أبطالك ينظرون إلى جذر الوجود ويحاولون أن يجدوا “انسجام العوالم واستنارة العقل”، بينما يواجهون تجارب أرضية، كالانفعالات و”مرايا الأفعال”. في قصيدة “خسائر لا تُقاس”… يظهر أيضًا تصور للكلمات التي “لها قوة أن تعذّب وأن تصبح أشبه بالحجارة”. هل هذا صدى للثيمات الإنجيلية أم أمر آخر؟
– شعري بالفعل ذو طبيعة فلسفية، ولا يمكن إقصاء التأمل عنه. نعم، يمكن نظم أي شيء في قافية، لكن القضايا التي أطرحها في محاضراتي وأبحاثي العلمية هي ذاتها التي أكتب عنها في الشعر. الشعر أسرع في إيصال المعنى، لأنه دائمًا يُكتب من منظور الأنا. والشاعر لا يولد إلا حين يشاء الله.
أظن أن الشعر الذي كان جوهريًا منذ القدم – الشعر الإغريقي القديم وسواه – قد أنشأ منصّات معنوية تُنقل وتُورّث عبر الأجيال. وهذا الارتباط يجمع بين الإنسان الأرضي والإنسان الكوني، لأن الإنسان ليس كائنًا بيولوجيًا-اجتماعيًا فحسب، بل هو أيضًا أرضي وكوني. كما قال فيرنادسكي: حتى بركة مطر صغيرة على الأرض لا يمكن أن توجد من دون مشاركة الكون.
– “في الأغاني الروسية نغمة جريئة / تعلو حتى البُحّة. / حب وألم.” تقليد الشعر ارتبط دومًا بتقليد الأغنية، التي عكست المراحل الأساسية لمسيرة الإنسان – الميلاد، التكوين، الموت. ما معنى الأغنية بالنسبة إليك، وما دورها في إبداعك؟
– يقال عني أنني امتلك “السمع الداخلي”، كما يعبّر الذين يحلّلون ما أكتب. نعم، هذا صحيح. أستطيع أن أكرر اللحن في داخلي، لكن لا أستطيع أن أؤديه بصوتي.
– كم أغنية كتبتِ؟
– ربما مئة أغنية. لكنني لم أكتب على موسيقى جاهزة إلا مرات قليلة جدًا، وفي باقي الحالات كنت أسمح فقط باستخدام قصائدي.
– وإذا تحدثنا عن الأغنية كجنس أدبي وفني؟
– أنا أحب الأغاني التي تنسجم مع مشاعري. أحب الأغاني الروسية الشعبية، مثل أغاني الأعراس. وحتى إذا استمعت إليها بلغات أخرى، ستظل تُعرَف كأغانٍ روسية، كما هي الحال مع أغانٍ لشعوب أخرى. فالأغنية أكثر وصولًا إلى الناس من الشعر، لكنها، مثل الشعر، تحمل دائمًا معاني سامية.
– إلى أي مدى تعتبرين مهمًا اليوم أن يُطرح موضوع “إلغاء الثقافة الروسية”؟
– الثقافة لا يمكن أن تُلغى.
وربما يعود هذا أيضًا إلى شيفرات موروثة ارتبطت بروسيا، التي كانت دومًا محط اهتمام حي بسبب مساحاتها الواسعة، وجمال أماكنها، ووفرة مواردها. في روسيا يوجد كل شيء، لكن الأهم أن فيها الإنسان. المجالات المولّدة للمعنى ملأت كيان الإنسان، وارتقت به عقلًا وشعورًا درجة بعد درجة، أعلى وأعلى. ولهذا ينبغي أن يكون للمدنية وجه إنساني.
– حدثينا عن أبرز الفعاليات القادمة حيث يمكن للقراء أن يلتقوا بك، ويستمعوا إليك، ويطرحوا عليك أسئلتهم.
– سأشارك يومي 20 و21 سبتمبر في موسكو في الجمعية العامة العالمية للمجتمع المدني. موضوع اللقاء الرئيس هو الدبلوماسية المجتمعية. أنا مؤمنة بعمق أن العالم متعدد الأقطاب. وأهم قضايا هذا العالم المتعدد الأقطاب تتصل بالأمن الإنساني. هدفنا هو الاعتراف برأس المال البشري باعتباره القيمة العليا للدولة، في مجالات الاقتصاد والسياسة والعمليات الاجتماعية-الثقافية.
حول هذا وغيره سنتحاور مع أكثر من ألفي ضيف.
أما الفكرة المركزية للجمعية فهي “العالم الجديد للوحدة الواعية”. إنه حدث بارز لروسيا والعالم، وسأكون سعيدة باللقاء.
نشر هذا الحوار في exlibris بتاريخ 17 سبتمبر 2025