أحداثأدبإعلامشخصيات

الكاتب بوصفه مهندس الوعي الكوكبي

لويس كارلوس بريستيس الابن

في الأول من أكتوبر، تمت دعوتي إلى عرض الترجمة الروسية لكتاب “رفيقي (40 عامًا مع لويس كارلوس بريستيس”) في مكتبة مجلس مدينة موسكو. حضر اللقاء السفير البرازيلي في روسيا سيرجيو رودريغيز، وأصدقاء وأفراد من العائلة وزملاء دراسة، بالنسبة إليهم كان هذا الكتاب جزءًا من ذاكرتهم الشخصية. “رفيقي” هو سرد ماريا بريستيس عن حياتها بجوار زوجها لويس كارلوس بريستيس، الرجل الذي أصبح اسمه رمزًا للنضال من أجل الكرامة والحرية.

بدأ اللقاء بفيلم وثائقي، وما إن ظهرت مشاهده الأولى حتى غمرتنا أجواء البطولة الثورية، ذلك الزمن المشحون الذي كان فيه الإنسان يقاتل من أجل حقه في أن يكون إنسانًا. في تلك اللحظة، وجدت نفسي ذهنيًا أصعد مع لويس كارلوس بريستيس الأب برج تاتلين، مرددة الكلمات التي أصبحت شعار منظمتنا العالمية للكتّاب: “نحن أبناء كوكب واحد”. هكذا، بقوة وعاطفة، جرى بناء هذا اللقاء – كتذكير بأن التاريخ والكلمة قادران على وصل الأزمنة والقدر الإنساني.

لويس كارلوس بريستيس الابن: الكلمة كإرث للنضال ونَفَس للمستقبل

تاريخ الأدب يعرف أسماءً تتشابك فيها المصائر الفردية مع مصائر الشعوب. ومن بين هذه الأسماء يبرز اسم لويس كارلوس بريستيس الابن، الكاتب والسينمائي البرازيلي. عمله “الثلاثية البطولية” جاء كتابًا تتخلله شجاعة وألم شعب دافع عن حريته.

في المؤتمر العالمي للكتّاب الذي عُقد في موسكو يومي 20 و21 سبتمبر 2025، في يوم السلام، ضمن فعاليات الجمعية الشعبية العالمية، مُنح بريستيس الابن جائزة WOW من منظمة كتّاب العالم. وقد غدا هذا الحدث رمزًا لكيفية جمع الأدب للأزمنة والقارات، صانعًا فضاءً يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل. إن شعار منظمتنا: “نحن أبناء كوكب واحد” يعكس بأكمل وجه روح إبداع بريستيس.

ولكي نفهم حجم شخصية لويس كارلوس بريستيس الابن، علينا أن نستمع إلى قصة والده – لويس كارلوس بريستيس الأب (1898–1990). فقد قاد لعقود الحزب الشيوعي البرازيلي، ودخل التاريخ زعيمًا للجيش الثوري المعروف باسم “العمود الذي لا يُقهَر – عمود بريستيس”.

كانت أفكاره متجهة نحو الشعب: تحدّث عن حقوق العمال، وعن الإصلاح الزراعي، وعن الحماية الاجتماعية، وعن حق الإضراب، وعن حرية الاجتماع. ورأى مستقبل البلاد في تأسيس قواعد جديدة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الناس، وفي مقاومة الحروب العالمية التي هددت الإنسانية.

هذه الاستمرارية ليست مجرد تفصيل سير ذاتية، بل جسر روحي. فالابن يواصل طريق الأب، لكن بأدوات مختلفة – بالكلمة، بالأدب، بالفن.

المؤتمر العالمي للكتّاب في موسكو

اجتمع في المؤتمر كتّاب من أكثر من ستين دولة للتفكير في دور الأدب في تشكيل مستقبل الإنسانية، وفي كيف للكلمة أن تخلق واقعًا جديدًا. وفي قلب المناقشات ارتفعت الفكرة الجوهرية: الكاتب مسؤول عن الكلمة، والكلمة تحدد مصير العالم.

وفي كلمتي الختامية قلت:

“نحن نعرف كيف لا ينبغي أن يكون العالم. لقد طالت فترة بنائنا علاقتنا به على أساس النفي. لكن النفي ليس الحقيقة، وليس المعرفة بكيف يجب أن يكون. فالحقيقة لا تولد من النفي. ومع ذلك فإن النفي خطوة عظيمة نحو تكوّن الإنسان الكوكبي. وما دمنا لا نعرف بعد كيف يجب أن يكون العالم، وما لم نكتب تاريخ كوكبنا، فإن أحداثًا عشوائية ومصالح عمياء بقيمة الحياة هي التي تكتب هذا التاريخ وتشكل ملامحه”,

كانت هذه الكلمات موجّهة إلى جميع المشاركين في المؤتمر، لكنها لامست عمقًا خاصًا في لحظة تكريم لويس كارلوس بريستيس الابن. فقد غدا مساره الحياتي وكتابه وتاريخ أسرته صورة حيّة على أن الرسالة الشخصية وقوة الكلمة يمكن أن تغيّر إدراك العالم وتلهم الخلق والبناء.

إن حضور بريستيس الابن في المؤتمر الثاني للكتّاب العالميين، وتاريخه وكتابه، كانت بمثابة مقدمة لإعادة التفكير في شعارنا: «نحن بشر كوكب واحد». لقد بسط إرثه هذا الشعار في فضاء الثقافات والأمم، مبرزًا فرادة كل بلد وصوته وخصائصه – وفي الوقت ذاته القوة التي توحّدنا في جماعة إنسانية واحدة.

الأدب كنسيج كوني

في هذا السياق يكتسب المسابقة الأدبية القادمة أهمية خاصة. فهي ستُكرّس للتأمل العميق في الماضي، والتحليل اليقظ للحاضر، والنظرة الإبداعية إلى المستقبل. ستظهر هذه النصوص كلوحة أدبية للوجود الكوكبي، حيث تُكتب قصة الإنسانية بعيون الكتّاب.

هذا النهج وهذه الرؤية هما الطريق الذي سارت فيه المنظمة العالمية للكتّاب لعقد كامل، لتحدد اليوم بوضوح اتجاه حركتها. لكن جوهر المبادرة أعمق: الحديث عن خلق لوحة أدبية – صورة لوجود الكوكب والإنسانية. كل عمل أدبي ليس خطًا منفردًا، بل جزء من سيمفونية كبرى، تتآلف فيها الثقافات واللغات والتقاليد في نفس واحد.

لوحة كهذه لا يُراد لها أن تكون سجلاً أو وثيقة، بل فلسفة وشعرية للزمن. إنها توحّد ذاكرة الأجداد، قلق الحاضر، وأحلام المستقبل في كيان واحد. كيان ليس مجرد مجموعة نصوص، بل نسيج حيّ للعالم، يُكتب بيد الكاتب.

الكاتب كمهندس للوعي الكوكبي

اليوم، والعالم يواجه اختبارات التفرّق والتشرذم، يقف الكاتب مهندسًا للثقة. كلمته لا تنتمي فقط إلى وطنه أو شعبه، بل تدخل مباشرة في نسيج الفضاء الروحي المشترك.

وبهذا المعنى، فإن إبداع لويس كارلوس بريستيس الابن خطوة نحو المستقبل.

مارجريتا آل
رئيسة المنظمة العالمية للكتّاب «WOW»

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى