أحداثإعلام

تاريخ من نوع آخر !

بقلم: د. محمد يحيى فرج، مدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة ـ جامعة المنوفية 

د. محمد يحيى فرج

قد يقع في أيدي البعض كتاب يتحدث عن التاريخ، ولكن عند البدء في مطالعته يتفاجئون بسرد من نوع مختلف و بتوالى للأحداث من نوع آخر غير معتاد.

 فبينما تتناول كتب التاريخ عادة الأحداث السياسية وسير الزعماء و قصص الحروب و الملاحم و تؤرخ لصعود الامبراطوريات و الدول وأفولها، فإن هذا النوع من التاريخ في المقابل يتناول قصص الأفكار والنظريات و تأثيراتها و نموها أو انحسارها كما يسلط الضوء على حياة المفكرين والعلماء و دورهم في مسيرة البشرية، لذلك كان لا عجب أن يسمى هذا النوع من التاريخ بتاريخ الأفكار.

ففي هذه الحكايات التاريخية الفريدة، يكون البطل هنا هو العالم والمفكر أو ربما هو الفكرة بحد ذاتها. و هنا أيضا تتصاعد الأحداث و تخفت لتكشف من أي منهل استمد العالم فكرته وكيف نضجت الفكرة و وكيف توالت التحسينات و الإضافات و كيف أثرت في عالم الفكر أو العلم أو الاقتصاد أو غيره. كما أن المؤرخ هنا في تتبعه للأفكار انما يسعى لرسم صورة عن المناخ الفكري و الأفكار السائدة في عصر معين ويحاول أيضا أن يتتبع التحولات الفكرية و منشأها بالإضافة إلى تأثيراتها المختلفة.

وفي خضم هذا التتبع للأفكار والعبقرية الإنسانية كان لا عجب أن يبرز هذا الميدان عادة الجانب المشرق فى مسيرة الإنسانية، حيث تتسلط بقعة الضوء على الإنجازات في مجال الفكر و العلوم و حيث تكون حلبة الصراع هى الفضاء الذهني الرحب حيث تتلاقى الأفكار و تتفاعل لتصل إلى مزيد و مزيد من النضج و الاتساق المنطقي. و حيث تنتهي الحكايات عادة نهايات سعيدة بلا ضحايا او تراجيديا حزينة.

و هذا النوع من التأليف التاريخي قد ازدهر في الفكر الغربي الحديث، فنجد أعداد كبيرة من المؤلفات التي تتناول المواضيع ذات الصلة من مختلف الزوايا. كما أن هذا المجال التاريخي قد رسخ نفسه كتخصص أكاديمي معتبر و أصبح له دورياته و مجلاته العلمية التي تنشر الدراسات الخاصة به تباعاً.

و بالإضافة إلى ذلك فإن الناظر في تاريخنا العربي و الإسلامي لا يعدم أن يجد كثير من المؤلفات التي تتقاطع مع هذا المجال، فمن كتب التراجم الكثيرة التي أرخت لحياة العلماء و الادباء و الحكماء إلى الكتب التي تتناول تاريخ المذاهب و الفرق و الفلسفة و وصولا إلى تلك الكتب الفريدة التي تتحدث عن الكتب المشهورة التي أنتجتها القرائح و الأذهان و تبوبها في ترتيب بديع. و كل هذا إنما يكشف عن أهمية هذا المجال التاريخي و كيف يضرب بجذوره في أعماق الفكر الإنساني منذ القدم.

وأمام هذا الكم الكبير من المؤلفات وتدفقها المستمر وامتدادها في الزمن، ربما نجد أن هذا التاريخ للأفكار قد أصبح هو بذاته بحاجة إلى من يُؤرخ له. ومن يدري، فربما نجد مجالا جديدا يُسمى بتاريخ تاريخ الأفكار!.

نشرت المقالة في جريدة المساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى