أدب

الملاك السعيد … جدلية الفضول وتبعاته

بقلم: طارق العمراوي، تونس

المنشورة للكاتبة فاطمة وهيدي “الملاك السعيد” والتي شكلت الألواح الفنية الخادمة للسردية الفريدة الدكتورة هبه ابراهيم جزءًا هامًا مكملاً لمتن القصة وآفاقها.

ناقشت الكاتبة القصة بلغة سلسة وتوجيهات مبرمجة وموجهة لإحدى الأمراض التي ما زالت تشغل العامة والخاصة “أنجل مان” لتتفاعل الكاتبة بطريقتها حتى في التسمية رافضة الكلمتين “أنجل مان” و”الدمية السعيدة” وقد عوضتهما بالملاك السعيد إيمانًا منها بأن تلك السن وبراءتها تقارب الملائكة ذات الأجنحة والبياض الذي يكسو تصرفاتهم وأنشطتهم وخاصة ابتساماتهم المتكررة.

وقبلها حضر الفضول الذي يرافق الطفولة ويشكل جزءًا هامًا من تفكيرهم وملاحظاتهم في الفضاء الخاص والعام، وها هو الطفل قد انتبه لشاحنة محملة بأثاث ومفروشات نظرًا لتواجده قرب النافذة والتي تعتبر نافذة على العالم الآخر: الناس في الشوارع والسيارات والحركة المرورية وغيرها. وربما أيضًا مسكنه بعمارة وصغر سنه يجعلان منه، مع خوف الوالدين عليه، متفرجًا مميزًا ينتبه لكل شيء. وهنا تمنى أن يكون للعائلة طفل في سنه ليتبادل معه الأفكار والألعاب والخواطر.

  • بل وبدأ يفكر في استثمار الوضع الجديد بأن اقترح على والدته إعداد قالب من الكعك حتى تأخذه كهدية تعارف مع جيرانهم الجدد. كما انتبه منذ البداية وتفطن إلى حالة ووضع جارهم الجديد وواصل في فهمه منتصرًا لبراءته التي فرضت عليه أن يحول جارهم إلى صديق يشاركه اللعب. ثم اللجوء المضمون والمطلوب للحاسوب لينهل منه ويشبع فضوله عبر فهم المتلازمة حيث قضى وقتًا طويلاً للتعرف على أسباب وأعراض “أنجل مان” أو “الدمية السعيدة” والطبيب البريطاني “هاري أنجل مان” الذي اشتغل على الظاهرة. ولم يكتفِ الطفل بهذا المستوى المعرفي المعلوماتي بل تعداه لمفاجأة أذهلت الكل وهي تعلم لغة الإشارة ليتواصل مع صديقه الجديد محاولاً إخراجه من عزلته وتوحده وجعل الطفل سعيدًا سعيدًا بهذا التفاعل وهذه الصحبة الجميلة.

ومن هنا أسعد البطل صديقه وأفرح أمه وجارتهم ووالده في بسط وعرض سردي ذكي للعلاقات الأسرية المبنية على الحب والتشجيع والتقدير والدفع المعنوي الجاد، ومعها علاقة الجار بجاره وتقاليد تبادل الهدايا والزيارات.

كما مررت الكاتبة أيضًا مسألة هامة وهي التلصص باعتبارها حركة وفعل مشين يشق العلاقات بين البشر يقوم بها العديد من الجيران خاصة إذا كانت المنازل والبيوت متلاصقة أو ذات الطابق العلوي والمطلة على الجيران. فكانت نصيحة الأم إذ قال النص بعدم النظر: “فنصحته بعدم النظر هكذا حتى لا يعتقدوا أنه يتلصص عليهم”. ورغم صغر سنه إلا أن نباهته كانت مرتفعة إلى درجة أنه سمع حديث جارته وفهم أن سعيد مريض إذ قالت الكاتبة: “لم يبد خالد تعجبه مما ذكرته جارتهم عن ابنها سعيد حتى لا تشعر بالحرج لكنه حرص على أن يبادل سعيد الابتسامات والنظرات الجانبية”.

والقارئ لهذا النص توجهه الكاتبة إلى أهمية الحواسيب والهواتف الذكية لاستثمارها كبنك معلوماتي-معرفي كما فعل بطل القصة. كما قيل قديمًا “الطفل عن الطفل ألقن”. هذا الطفل قضى ساعات وساعات أمام هذا الجهاز العجيب للاستفادة والإضافة وإيجاد حلول، وقبلها فهم الإشكاليات والظواهر لا أن نبقى لساعات طوال للعب فقط. بل أصبح مصدر معلومات بعد أن تمكن من فهم هذا المرض واحتياجاته كلغة الإشارة، أين أخبر والده قائلاً: “أتعرف يا أبي أن هناك أكثر من 14 ألف لغة إشارة في العالم؟” مقدمًا آراءه وأفكاره كأن يتم توحيد هذه اللغات وتدريسها في المدارس نظرًا لتواجد العديد من الأطفال بهم هذه الحالات المرضية وهذه العوارض.

اتجهت الأقلام المشتغلة بأدب الطفل منذ مدة لعرض وبسط العديد من الظواهر المرضية الجسدية بعد أن ناقشوا وما زالوا لسنوات الظواهر الأخلاقية والأمراض الاجتماعية. وها هو التوحد والمتلازمات جزءًا هامًا من المدونة السردية الموجهة للطفولة لتكون القصص المنشورة والمقروءة كبطاقات علاجية تقدم للأطفال للتفاعل مع هذه الأمراض في بيوتهم وفي الشوارع والمدارس وغيرها من الفضاءات كما في هذه السردية.

كما قدمت الألواح الفنية العديد من المعلومات الهامة كتربية الحيوانات الأليفة كالقط والكلب وذكر بعض الهوايات كالموسيقى عبر رسم جيتار بجانب الحاسوب والمزهريات التي تزين الغرف والفضاءات. وهذه الأطر الخشبية تحتل جزءًا هامًا من جدران البيت، والألعاب الحركية مثل الطائرة الورقية والكرة والتي يحتاجها الطفل اليوم. وأهمية الكتاب فبعد أن استثمر البطل في الكم المعلوماتي بالحاسوب ها هو يمسك كتابًا يطالع فيه ليدعم معارفه وها هو الملاك السعيد يمسك هو الآخر كتابًا وضعت الصورة في غلاف الكتاب قصدًا وتشجيعًا على الورق وعالم القراطيس. وهذا والد البطل بيده جريدة يطالع فيها أخبار السياسة والحروب والثقافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى