
قبل شهرٍ من الآن، وتحديدًا يوم الأربعاء الثالث من سبتمبر عام 2025، فتحت سلسلة إبداعات طريق الحرير فصلًا جديدًا في رحلتها الأدبية حول العالم، من خلال لقاء الإبداع بين القارات الثلاث — ساعة واحدة من الضوء والإلهام، جمعت بين الأزمنة والألسن، وشهدت تلاقي الخيال الإنساني عبر الحدود واللغات. ستة كُتّاب من ثلاث قارات اجتمعوا على منصةٍ افتراضية واحدة، تتناغم أصواتهم في نسيجٍ من الجمال والحوار، نسجه الشاعر والروائي المصري أشرف أبو اليزيد، الذي تولّى ترجمة أعمالهم جميعًا إلى العربية، جاعلًا من الكلمة جسرًا بين العوالم.
من روسيا، صعدت الكاتبة إينا ناتشاروفا إلى المسرح الافتراضي لتقدّم عملها الفريد “أنا كليوباترا” — مزيجًا آسِرًا من التاريخ والحلم الشعري، أبدعته بخيالٍ أنثويّ رقيق وأغنته بلوحاتها المنمنمات التي تجسّد ملامح الملكة المصرية بعمقٍ وسحرٍ خاصّين. ورغم بعض العقبات التقنية التي دفعتهم إلى التواصل عبر مكالمة «واتساب» متواضعة، ظلّ النبض الإبداعي متدفقًا لا يعرف الانقطاع، وظلّت الروح الإنسانية تحلّق فوق الشاشات. عرض المضيف لوحات الكاتبة الدقيقة، التي بدت كأنها مغموسة في زرقة النيل القديمة، تضيء ببهاء كليوباترا الأبدي.
بعد أسابيع قليلة، وجدت الحكاية صداها في موسكو، حين وصل المترجم بنفسه، يحمل في يديه نسخا عشرين من الترجمة العربية التي أبصرت النور في القاهرة. وفي خريف المدينة الهادئ، التقت الكاتبة إينا فلاديميروفنا ناتشاروفا بترجمتها الجديدة؛ كتابها الذي عبر البحار واللغات ليغدو جسرًا بين ثقافتين، تنبض صفحاته بالحياة المشتركة للفن والترجمة.
كان اللقاء الأدبي الذي جمع بين الكاتبة ومترجمها لافتا، إذ حَضَرَه شخصان من أبرز رموز الأدب والإعلام: خالدة أحمدجانوفا، عضوة اتحاد الصحفيين في روسيا ورئيسة منظمة نساء القرم، والدكتور فيكتور كليكوف، الشاعر الروسي النمساوي ورئيس نادي الشعر الروسي في النمسا، وعضو مركز القلم الدولي في النمسا. منح وجودهما الأمسية عمقًا ثقافيًا وإنسانيًا، امتزج فيه الدفء الروسي بالأفق المتوسطيّ ليتجلّى المعنى الحقيقي للصداقة الأدبية العابرة للقارات.
وفي تعليقها على هذه اللحظة الاستثنائية، قالت إينا ناتشاروفا:
“إن مصير كتابي أنا كليوباترا مدهش بحق. لقد تُرجم إلى العربية ونُشر في أرض الأهرامات، موطن الملكة الإلهية كليوباترا. وكل ذلك تحقق بفضل رجلٍ لا تعرف كلماته حدودًا — خالص امتناني للأستاذ أشرف أبو اليزيد من القاهرة”.
وتابعت تقول:
“على مدى قرون، كانت كليوباترا تُلهم عقول البشر وقلوبهم في أنحاء العالم. لقد كتب عنها الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين قصيدة خالدة. ومؤخرًا، في إطار مشروع أدبي لجمعية الكتّاب الدولية (الكومنولث)، أطلقنا فعالية بعنوان نقرأ شكسبير مع العالم كله. اخترتُ آنذاك مونولوج كالبورنيا، زوجة يوليوس قيصر، من مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير. وعندما بدأت القراءة، خُيّل إليّ أن كليوباترا نفسها كانت تبحر في تلك اللحظة على نهر التيبر، عائدة إلى مصر، تحمل طفلها من قيصر، الذي لم يعترف به يومًا، رغم أنه لم يُرزق بأبناء من كالبورنيا. عندها أدركتُ أن حبها له كان أعمق من حبّه لها”.
ثم تضيف بنبرةٍ شاعرية:
“في كتابي، تنقذ كليوباترا نفسها وأبناءها بطريقتها الخاصة. تحبّ وتُخذل، تكافح وتبتكر، وتؤمن بالأمل — تمامًا كما نفعل نحن جميعًا. إنّها يوميات امرأةٍ عاشت حياةً معقّدة، أمّ لأربعة أطفال، وملكة على عرشٍ يحسدها عليه الجميع، لكنها كانت وحيدة بين الرجال — الجنرالات والسيناتورات والفلاسفة — الذين لم يغفروا لها جمالها ولا حريتها. إنها قصة مألوفة، أليست كذلك؟ تمضي القرون، لكن قلوب النساء والرجال تبقى كما هي.“
وتختم بقولها:
“وهكذا، في مساء عشية عيد ميلادي، وصلت إلى موسكو نسخ كتابي “أنا، كليوباترا” باللغتين الروسية والعربية الصادر عن دار الناشر في مصر— قادمة مباشرة من موطن الملكة الإلهية لمصر. نعم، المعجزات تحدث، لكنها لا تأتي إلا على أيدي البشر. فقد حمل الأستاذ أشرف أبو اليزيد بنفسه نسخ المؤلف التي صدرت في القاهرة، وقدمها إليّ هدية بيديه. كانت الطبعة غاية في الجمال — تكاد تمسّ السحر. فقد طُبعت على ورق يذكّر بورق البردي القديم، وزُيّنت برسوماتي التي رسمتها بنفسي.
جرت مراسم تقديم الكتاب في فندق ناشيونال التاريخي، الذي شُيّد عام 1903، والمقابل مباشرة للكرملين في موسكو. هناك، أقام لينين ونادِجدا كروبسكايا في زمن مضى، كما نزل بين جدرانه عدد من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية في العالم. ويُروى أن كاتبًا سوفييتيًا شهيرًا، حين خرج ذات مساء من مطعم الفندق في القرن الماضي، رأى رجلاً بزيّ رسمي فظنّه البوّاب، فقال له: “أيها البواب، اطلب لي سيارة أجرة!” فأجابه الرجل: “أنا لست بوابًا، بل أميرال!” فردّ الكاتب ساخرًا: “أميرال؟ إذًا أحضر لي طرادًا!”
أما المترجم والناشر لكتابي، الأستاذ أشرف أبو اليزيد، فهو أيضًا الأمين العام لمؤتمر الصحفيين الأفارقة (CAJ) ونائب رئيس اتحاد الكتّاب الأفارقة (PAWA). وكان تسلّمي نسخ المؤلف من يديه لحظة مؤثرة عميقة. كما أتوجه بالشكر إلى خالدة أحمدجانوفا، رئيسة جمعية نساء جمهورية القرم، على كلماتها الطيبة وأمنياتها الجميلة.
وقد عبّر الدكتور فيكتور كليكوڤ، الشاعر الروسي النمساوي ورئيس اتحاد الشعراء الناطقين بالروسية في النمسا، عن سعادته البالغة بصدور كتابي الجديد. واختُتمت الأمسية بجلسة توقيع، لتبدأ بعدها رحلة الكتاب نحو العالم، باحثًا عن قلوب القرّاء ليظفر بها.
ولو لم يُحرِق قيصر مكتبة الإسكندرية حبًّا في كليوباترا، لوجد كتابي مكانًا بين رفوفها. لكن قيصر، كما غيّر مصائر أشياء كثيرة، غيّر أيضًا مصيري. ومع ذلك، فإن كتابي “أنا، كليوباترا” يعيش اليوم في رفوف أقدم مكتبات القاهرة. لقد كان مشروع “طريق الحرير” هو الدرب الذي سارت عليه هذه المعجزة الأدبية، بفضل مترجمها وناشرها الأستاذ أشرف أبو اليزيد.
وفي كلمتها، قالت خالدة أحمدجانوفا:
“لقد جلبت لي مشاركتي في أعمال الجمعية العامة العالمية الأولى لقاءات شيقة وغير متوقعة. في موسكو، في فندق ناشيونال، حدث أمران رائعان في آن واحد: التقيت برئيسين اثنين — الكاتبة إينا ناشاروفا، رئيسة الرابطة الدولية لاتحاد الكتّاب، والأستاذ أشرف الدالي، الأمين العام لمؤتمر الصحافيين الأفارقة، والرئيس السابق لجمعية الصحفيين الآسيويين. وشهدتُ حدثًا سحريًا ذا طابع دولي. فإينا فلاديميروفنا كاتبة ناجحة، وأشرف أبو اليزيد مترجم ناجح. وكما قد خمّنتم، فقد جلب أشرف من مصر نسخًا نفيسة من كتاب «أنا، كليوباترا»، مترجمًا من الروسية إلى العربية وصادرًا في مصر.
ولأول مرة في حياتي، وجدت نفسي بين كُتّاب يتحدثون لغات مختلفة، يتفاهمون فقط عبر العيون والابتسامات. ولأول مرة أيضًا، أمسكت بين يدي كتابًا أهدتْه إليّ مؤلفته شخصيًا. أليست هذه معجزة خالصة؟
ما هذا الكتاب؟ ولماذا قرر أشرف أن يترجمه إلى العربية؟ إنه عمل ذو طابع تاريخي، يصف حياة امرأة عظيمة — كليوباترا. ورغم أنه ينتمي إلى الأدب التاريخي، الذي يروي سيرة الملكة وحياتها، فإنني رأيت في بطلتها ملامح كل امرأة فينا. فنحن النساء جميعًا نسعى إلى الجمال والجاذبية، نحب أن نكون ملكات في بيوتنا، نحب أبناءنا، ونعطي قلوبنا لمن نحب. هذه هي طبيعة المرأة. بالنسبة إليّ، تمثل كليوباترا صورة المرأة العصرية الرائعة — بشخصيتها القوية، وعزمها، ورغبتها في أن تجعل العالم مكانًا أفضل.
إن هذا التعاون المدهش، الذي يهدف إلى تعزيز السلام والوئام بين شعبي روسيا ومصر، يُعد مثالًا يُحتذى به في التفاهم المتبادل والاحترام المشترك بين أبناء أمتين، جمعتهما مهمة واحدة — الارتقاء بثقافة شعبيهما عبر تعلّم لغات بعضهما البعض وآدابهما.”