
يأتي عدد نوفمبر 2025 من مجلة CAJ International كسمفونية من الأصوات — تمتد من عظمة الحضارات التي تُبعث من جديد إلى الإصرار الهادئ لأولئك الذين يخدمون الحقيقة والفن والإنسانية في أقسى الظروف.
تتصدّر الغلافَ مقالةُ “مصر تتحدث عن نفسها: افتتاح المتحف المصري الكبير” بقلم فاطمة الزهراء حسن، وهي احتفاء بإنجاز يمثل علامة فارقة ليس لمصر فحسب، بل للتراث الإنساني العالمي. إن افتتاح المتحف المصري الكبير — الذي حضره ملوك وأمراء ورؤساء من نحو ثمانين دولة — يقف شاهدًا على هوية مصر الخالدة وحضارتها الحية. وتحت أضواء الجيزة، ذكّر الشعب المصري العالم بأن قلب التاريخ لا يزال ينبض على ضفاف النيل.
ومن المعالم إلى الإعلام، يتناول أشرف أبو اليزيد في مقاله “بين السلطة الرابعة وفوضى الرقمنة” التحولات الجذرية في مهنة الصحافة، مستعيدًا رؤية إدموند بيرك للصحافة كـ”سلطة رابعة” تقابل اليوم واقعًا رقميًا باتت فيه الحقيقة تذوب في سيل من الأصوات غير الموثوقة. ومع ذلك، فإن في قلب هذه الفوضى تكمن حرية متناقضة — حرية المواطن في أن يكون مُخبرًا ومُفسرًا، حتى وإن غامت الحدود بين الحقيقة والزيف.
ويقدّم العددُ أيضًا قراءة لحقائق عالمية حادّة؛ ففي تقرير أوسيني يوسف سلامي بعنوان “الولايات المتحدة تهدد بعمل عسكري ضد نيجيريا بسبب مزاعم اضطهاد المسيحيين” نقرأ توتر الدبلوماسية الدولية حين تتقاطع الديانة والسياسة والمصالح الخارجية.
وفي مقال ديلا أهيور عن السفر بالطائرات الخاصة، يواجه القارئ سؤالًا أخلاقيًا حول ثمن الرفاهية؛ إذ بينما يسعى الأثرياء إلى حياة “ناعمة”، تغدو السماء نفسها أثقل بالدخان — رمزًا مريرًا لامتيازات في زمن يتطلب مسؤولية بيئية متزايدة.
أما في الفنون، فيُعرّفنا كمال هاشم على الفنان التشكيلي السوداني منعم عبد الله حمزة، الذي تمزج لوحاته بين الحلم والواقع في تناغم ضوئي آسر. يؤمن حمزة بأن الفن ضرورة كالماء والغذاء والتعليم، وأن الإبداع فعل من أفعال العدالة الاجتماعية. تُعيد أعماله تشكيل الذاكرة الجماعية للسودان عبر اللون والرمز والحركة.
وعبر المتوسط، نبض الشعر في اليونان. في تقرير نقرأ عن المهرجان الدولي الرابع للشعر في ناؤوسا، حيث اجتمع شعراء من ثلاث عشرة دولة تحت شعار “أرسطو والعالم” — احتفاءً ليس بالشعر فحسب، بل بالحوار الدائم بين الحكمة والدهشة.
وتواصل ميسنا تشانو في مراجعتها لكتاب “ما وراء اللغة” روح الوحدة ذاتها، إذ تُظهر كيف أن الضحك والحزن يتجاوزان حدود الكلمات. في سبع لغات مختلفة، يثبت الشعراء أن الترجمة ليست أداة فنية فحسب، بل هي نبض الحياة الذي يبقي الشعر حيًا عبر الحدود.
وتأتي القصة الملهمة للصحفي محمد إبراهيم معلمو لتذكّرنا بجوهر الصحافة الأخلاقي؛ فبرغم ما نجا منه من تفجيرات وفقدان، يظل ثابتًا في الصومال — رمزًا حيًا للشجاعة والصبر والإيمان بأن الحقيقة لا يرويها إلا من يعيشها.
وفي مقالة “الفولغا البيضاء وحرارة أفريقيا”، تمزج الكاتبة الروسية إينا ناتشاروفا الذاكرة الشخصية بالتاريخ المنسي، مستعيدةً حكاية المهندسين السوفييت الذين عملوا في مشاريع أنابيب النفط الأولى في نيجيريا بين عامي 1977 و1982. تنتقل في سردها من لمحات الطفولة — بريق سيارات الفولغا البيضاء التي عاد بها زملاء والدها — إلى المشهد الأوسع لتعاونٍ إنسانيٍّ في زمن الحرب الباردة. تحيي المقالة فصلًا منسيًا من الشراكة السوفيتية النيجيرية في مجال الطاقة، حيث بُنيت جسورٌ بين البشر كما بُنيت الأنابيب، تربط بين صقيع سيبيريا وحرارة أفريقيا.
بهذا العدد، تواصل مجلة CAJ بناء جسور بين الحضارات، وكشف التناقضات، والاحتفاء بالقدرة على الصمود. من متاحف مصر إلى فنون السودان، ومن الإعلام الرقمي إلى الشعر العالمي، تتردد الرسالة واضحة:
حتى وسط الفوضى، ما زال الإنسان يتكلم — بشجاعة، وبألوان، وبضمير حي.
ّلم



