
يتلحّف القدر الحفافي، حبقاً ينثرُ في البهو نسائمه اللطيفة؛ حيث يتربّع “بيت سيزار”، و”بيت عبير و لميا”، وبيوت عدّة، ومسالك التُراب، تحفل كلٌّ منها بحكايا ناسها، بتُراثيته وأصالة التاريخ ؛ وتتبخترُ فيها الدرّاجات الهوائيّة، ببهجةٍ فريدة.
وتسكُن الطبيعة الإنسانيّة في سرديّة قصصيّة، ولحن الميجانا والمعنّى يصدح، وتلاوين قصائد ترفل بالموسيقى والتعابير، و بتثاقف ما بين الوهاد والطُلُولِ، والسُحب والزيتون، وشلوح الأرز المُتكوِّرة ثماره بانسيابيّة خلاّبة. وتأسرك قطرات الندى تستحيل ومضة كالفراشات ، كـ لحظ المغيب.
cezar projects -الباروك ، لبنان، تركُنُ دروب حقله، إلى الماضي في تشكُّله، وينساق مع بيوت الضيافة بتقنياتها ، كزلغوطة صيفيّة، تُلاقي الصبايا بها طفولة البراري.
في هذا الرُكن الجبلي في منطقة الباروك_الشوف، تحتضنُك أُسرة آل محمود الأستاذ حسن، زوجته أليسار، والشباب أولادهما سيزار، موزار ، و ريتشارد.
وبينما أنتَ تتنفّس الصعداء، وتسرح مِخيّلتك في أرجاء مُترامية لا حدود لها ولا مُستقرّ، إذ بك تتلفّت بين الفينة والفينة، مأخوذاً بروائح تتمايل فيها الجوري يُعانق النعنع، ولربّما خطب البصل الأخضر حبيبته الأرضي شوكي بشقاوتها.
وتُطالعك بطة من هُنا وتلك هُناك، تمتزج ألوانها اللامعة بسواد الليل والنهار، وخليط مخضوضر من سعف النخيل، وتستلُّ من خيوط الشمس دفئاً بلون الأمومة.
وتُعانقك أرجوانيّة مياه “البحرة” المتوسطة، مرتع الأغصان والوريقات تغمرُ بعضها البعض.
وللسرديّة “السيزارية” فصول من مُتعة واجتهاد، و سُكنى.
يتبوّأ تلفاز سينمائي بهواً واسعاً، والذي يتحرّك نهاراً ليكون مكتباً للمحاسبة المأهول بابتسامة عبير محمود، والغرافيك ديزاين للويب المسكون بنظرات أسيل محمود تصويرياً وتسويقيّاً ، وقاعة للرسم المفتونة بأنامل الرسّامة الأكاديمية نجوى بو وادي؛ و”كانون” خالتي رهيجة يُبهج الزوّار، وفرناً للمشغولات الطينيّة والفنون الحِرفيّة والتجريبيّة؛ وظُهراً إلى قاعة للفنون التشكيليّة والتجسيديّة وصفوف الرقص، ومساء مساراً للاحتفالات الموسيقيّة ولربًما عشاء شتوياً، واحتضان حبيب لعروسة المروج.
وها يستحضرك الإيكوسيستيم (نظام التنوّع البيئي)-المُتعبّد يقيم صلاته ما بين الأرض والسماء؛ ويتعمًد من طيف الوجد في “مشروع سيزار”، بأصالته، ومأكولاته الطبيعيّة والتُراثية، وتتغندر ما بين شراب الدبس، وذاك الورد، و الليموناضة اللبنانية، وسواها من العصائر البلديّة المُحضّرة محلّياً، والتي تأخذك في مُتعة ما بين التذوّق والإستكشاف.
إذ تسرح بك الطبيعة إلى ما وراء رائحة الزعتر واللافندر والجرجير ، وراء وأبلغ من الأفول، حيث لا بداية ولا نهاية، حيثما تُمتِّعُ حواسك الخمس، حتّى تخال نفسك صوفياً توّاقاً لمُلاقاة ربِّه، ولربًما درويشاً يُراقص الصلاة، ولتجد فُسحة في ذاتك تشعشع حضوراً.
كما تحتضنك الخالات والعمّات والجدّات والجيران؛ والأهل، والأصدقاء.
في كُل زاوية زهور متمايلات، ومسار مُتعمشقات، و”جلٍّ ” يتمدّد في الضُحى، ودرج مُعتّق بالحجر “المقصّب” يتراكض لمُلاقاة الأحبّة.
وتجيئك الأصوات من كل صوب، هي القطط والضفدع واليعسوب والنحل والكلاب والزيز والدجاج وسواها؛ ههنا الطبيعة تُمارس طقوس حضورها في حياتك، حيث الكزر الحامض يتفيّأ بظله ويُسامر القمر.
لتكشف إنساني …
الأربعاء ١٢ حزيران / يونيو ٢٠٢٤
……………………………………….
د. منى رسلان: أستاذة النقد الأدبيّ المُعاصر والمنهجية في الجامعة اللبنانيّة- كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة – الغرع الأوّل