

مع احتفال العالم بيوم الكتاب، كان نيل القاهرة على موعد مساء الأربعاء 23 أبريل 2025 مع انطلاقة الملتقى الأفروآسيوي الأدبي الأول، الذي استضافه متحف دارنا. كانت الدورة الأولى من الملتقى فرصة للتواصل مع ثقافة الهند النوعية من خلال موضوع الترجمة وتحدياتها.
في البداية استعرض مؤسس المتحف الفنان والناقد والروائي عبد الرازق عكاشة سيرة المتحف منذ إنشائه، ومثلما يحلم المبدعون، كان المتحف رؤيا حولتها عزيمة الفنان المصري الفرنسي إلى واقع، وجعله دارا أهلية للثقافة والمثقفين. وقد طاف الفنان الكبير مع ضيوفه بقاعات المتحف، الموزعة على طابقين، شارحا لهم فلسفته في اختيار المقتنيات، وتاريخ مصادرها الأفريقية والآسيوية والأروبية واللاتينية.
وجمعت فعاليات الدورة الأولى من الملتقى الأفروآسيوي الأدبي، في أمسيةٍ ثقافيةٍ نادرة أدباء وأكاديميين ومترجمين، وفنانين من مصر والهند، والمغرب والبحرين، فضلا عن التواصل برسائل مسجلة من الإمارات وإندونيسيا.
أدار أشرف أبو اليزيد، منسق الملتقى، مشاهد ثلاثة للملتقى، وكانت الجلسة الأولى مخصةة لكلمات المشاركين البحثية، والثاني لتدشين النسخة المترجمة من كتابه إلى اللغة الماليالامية، بينما كان مشهد الختام مع تكريم الملتقى والمتحف لضيوف الملتقى والمشاركين فيه.

الجلسة الأولى
من الهند تحدث ثلاثة من أبرز الأساتذة المساعدين ومشرفي البحوث في قسم اللغة العربية، كلية فاروق، جامعة كاليكوت، كيرالا، فناقش الدكتور عباس ك. بي، في ورقته المعنونة “تحديات ترجمة الشعر”، التحديات الجمالية والبلاغية التي يواجهها المترجم وهو يعبر بالجمال من لغةٍ إلى أخرى. فعن الفروقات البنيوية بين اللغتين، مثالا، يرى عباس أن العربية: لغة سامية ذات بنية اشتقاقية وغنية بالإيقاع الداخلي والمجاز، في حين أن المليالمية لغة درافيدية، تعتمد على تركيب نحوي مختلف وتميل إلى التعبير المباشر في الشعر الحديث، وهذا الاختلاف يؤدي إلى صعوبة في نقل التراكيب الشعرية دون الإخلال بالمضمون أو فقدان الجمالية الأصلية.
أما الدكتور عبد الجليل م.، فتحدث من واقع خبرته عن “مسألة نقل الثقافة في الترجمة الأدبية – نصوص عربية-هندية مترجمة نموذجًا”، حيث حلّل الترجمة بوصفها مرآة للثقافة، وما تواجهه من عراقيل وتحوّلات.
واختتمت الأوراق الهندية مع الدكتور محمد عابد يو. بي، فقدّم ورقة بعنوان “الترجمة الأدبية من العربية إلى الماليالامية: نظرة عامة”، استعرض فيها تاريخ الترجمة الأدبية بين اللغتين، متوقفًا عند أبرز المحطات والتحديات والإنجازات، ورصد العناوين في الرواية، بدءا من توفيق الحكيم وطه حسين ونجيب محفوظ، وصولا إلى أحفاد محفوظ، مشيرا إلى ترجمة رواية حديقة خلفية لأشرف أبو اليزيد إلى المليالمية.
ومن المملكة المغربية اختار الناقد والمترجم المسرحي أحمد بلخيري الحديث عن إشكاليات ترجمة المصطلحات كما في أعماله معجم المصطلحات المسرحية،والمصطلح المسرحي عند العرب وسيميائيات المسرح، وغيرها من المؤلفات.

وإذا قيل أنه لا يُفتى ومالك في المدينة، فإن الحديث عن الترجمة لا يفتى فيه دون الاستئناس برأي الدكتور أنور مغيث الرئيس السابق للمركز القومي للترجمة بجمهورية مصر العربية، نظرا لعطائه الكبير في حقل الترجمة عن الفرنسية، ودوره البارز في إثراء الثقافة العربية. وخص مسألة مشكلة ترجمة الإبداع الروائي بالاهتمام، وأن الدقة في الترجمة قد لا تعني الوضوح، ولذلك لا تحظى النصوص المترجمة في لسانها الجديد بما نالته باللغة الأم، لغياب هذه الوضوح.
ولم يفت دكتور أنور مغيث الإشارة في مستهل كلمته الإشارة إلى اللقاءات الأولى مع مؤسس متحف دارنا، حيث درس مغيث الدكتوراه في باريس، وكان حينها الفنان عبد الرازق عكاشة صاحب نافذة ثقافية مهمة في جاليري أنشأه واستقطب نخبة مثقفي العرب من الأدباء والتشكيليين والسينمائيين.
من صربيا وإندونيسيا

في رسالتها إلى الملتقى الأفروآسيوي الأدبي الأول قالت الشاعرة والمترجمة نيا س. أميرا ، جاكرتا، إندونيسيا، أن المترجمين، بوجه عام، يواجهون صعوبات في التقاط الفروق الدقيقة في المعنى، والحفاظ على الأسلوب، وتكييف الترجمة مع السياقات الثقافية. كما تشكّل الفروقات في بنية اللغة، والتعابير الاصطلاحية، والمفردات تحديات كبرى كذلكوأنها وبصفتها صحفية وشاعرة على مدى عقود، فإن معظم وقتها مشغول بالنصوص التي يجب ترجمتها وتحريرها، وما زالت بحاجة إلى التحقّق المضاعف من تسلسل الأحداث، لأنها يجب أن تضع روحها في العمل على حد تعبيرها.
أما الشاعرة والكاتبة والمترجمة الصربية المقيمة في دبي، د.آنا ستيليا، فحيت الملتقى الأفروآسيوي الأدبي الأول، واختارت أن تتحدث عن ترجمة عمل الروائية والرحالة الصربية يلينا ديميترفيتش Jelena J. Dimitrijević ويمثل رحلتها إلى الهند. وكان أشرف أبو اليزيد قد ترجم فصول رحلة Jelena J. Dimitrijević إلى مصر.
في كلمتها قالت الكاتبة المسرحية صفاء البيلي أنها ممتنة لمبادرة نقل الأعمال الشعرية إلى اللغات الهندية، وتتمنى أن يحظى المسرح بعين الاهتمام بعد الشعر والقصة والرواية.
الشاعر حزين عمر عبر عن سعادته بالملتقى ودور متحف دارنا، ليجعل الأمسية ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، وأن لدينا مؤسسة ثقافية مستقلة ؛ اسمها عبد الرازق عكاشة: “لقد أنشأ متحفا ثريا بإلهامات البشرية وفنونها ..ثم أعد هذا اللقاء غير النمطي والمنفتح على ثقافات مصر والهند وسائر العالم. . هذا غير عطائه الفني الذي يحمل بصمته ونفسه الخاص”.
أما الجلسة الثانية من الملتقى، فستكون احتفالًا بإطلاق الترجمة الماليالامية لمختارات شعرية للشاعر أشرف أبو اليزيد، حملت عنوان “ذاكرة الصمت“، بترجمة الأكاديمية الدكتورة سبينة ك.. وهذا هو الإصدار الثاني من أعمال الشاعر بهذه اللغة، إذ سبق أن تُرجمت روايته “حديقة خلفية“ إلى الماليالامية، في إصدار أنجزه الأكاديميان د. عبد المجيد ود. منصور أمين من جامعتي كاليكوت وكلية M.E.S في ممباد.
تُعد اللغة الماليالامية لسان حال أكثر من 40 مليون ناطق، وهي اللغة الرسمية في ولاية كيرالا، ويتحدث بها كذلك أبناء جزر لكشديب، وأعداد كبيرة من الجالية الهندية في دول الخليج، وماليزيا، وسنغافورة، والولايات المتحدة، وأستراليا. وقد زار الكاتب المصري أشرف أبو اليزيد ولاية كيرالا عدة مرات، حيث شهد تدشين ترجمة روايته هناك، كما حضر مناقشة رسالة دكتوراه بعنوان “شعرية السرد في روايات أشرف أبو اليزيد“ أعدّتها الباحثة والمترجمة سبينة ك.، بإشراف الأستاذ الدكتور محيي الدين كوتي أ. ب.، رئيس قسم اللغة العربية الأسبق بجامعة كاليكوت.
وستتضمن الأمسية أيضًا كلمة من الباحثة المترجمة، تُلقى بالنيابة عنها من قبل زوجها، الباحث والمشارك في الجلسة الأولى، الدكتور عباس ك. بي، تقديرًا لعلاقتها الوثيقة بإبداع الشاعر وأعماله.
ويصدر هذا الديوان الشعري الجديد عن “دار الناشر” المصرية، ضمن سلسلة إبداعات طريق الحرير، وهي السلسلة التي أصدرت أيضًا دراسة “شعرية السرد في روايات أشرف أبو اليزيد”، وعددًا من الأعمال الأدبية العالمية، من بينها ترجمة ثمانية روايات كورية قصيرة، وديوان الشاعر هيمانت ديفاتي، بالإضافة إلى سلسلة أنطولوجيا طريق الحرير التي ضمّت خمسة أجزاء ملحمية:
“آسيا تغني“، “موجات المتوسط“، “مصريون قدماء.. شعراء معاصرون“، “ألف ليلة وليلة.. ألف قصيدة وقصيدة“، و**”قصائد نانوية من أجل أفريقيا”**، بمشاركة أكثر من 150 مبدعًا من أكثر من خمسين دولة.
الفنان عبد الرازق عكاشة يعلن تكريم ثلاثة من رموز الإبداع المصري في ملتقى متحف دارنا
أعلن الفنان الكبير عبد الرازق عكاشة أن متحف دارنا سيقوم خلال فعاليات الملتقى المقبل بتكريم ثلاثة من أبرز المبدعين المصريين، الذين يمثلون قامات رفيعة في مجالاتهم الثقافية والفكرية. ويأتي في مقدمتهم الأستاذ الدكتور أنور مغيث، الرئيس السابق للمركز القومي للترجمة بجمهورية مصر العربية، تقديرًا لعطائه الكبير في حقل الترجمة ودوره البارز في إثراء الثقافة العربية.
كما يشمل التكريم الكاتبة المسرحية المبدعة الأستاذة صفاء البيلي، صاحبة تجربة ثرية ومستحقة في مجال الكتابة والنقد المسرحي، والتي أسهمت في إثراء الساحة الأدبية بمشروعاتها النوعية. ويُكرَّم أيضًا الكاتب الأستاذ عمر حزين، الذي تم انتخابه مؤخرًا نائبًا لرئيس مجلس إدارة أتيليه القاهرة، وذلك تقديرًا لإسهاماته الأدبية والفكرية المتميزة. ويأتي هذا التكريم في إطار احتفاء متحف دارنا بالمبدعين الذين تركوا بصمات مؤثرة في الثقافة المصرية والعربية.
وهكذا، يُواصل متحف دارنا أداء رسالته الثقافية، بوصفه جسرًا نابضًا بين الحضارات، وملتقى للفن والأدب والروح، حيث تُثمر الرؤى، وتلتقي القلوب، تحت رعاية مؤسسه المتوهج شغفًا وثقافة، الفنان عبد الرازق عكاشة.