أحداثأدبشخصيات

أنطولوجيا هندية بسبع لغات

بقلم: أشرف أبو اليزيد

اتفقت مع الشاعرة والمترجمة والمحررة الهندية على اهدائها مجموعة من الأصوات الشعرية العربية، تضمها بمشروعها، الذي تنشره منذ سنوات، وتقدم فيه سبع لغات بكل إصدار. في الإصدار القادم ستكون العربية بين هذه اللغات المختارة وستصدر القصائد في المجلد باللغتين العربية والإنجليزية.

في عالم يتزايد انقسامه بفعل الحدود والصراعات والسرديات المتنافسة، تظلّ الشعرية مساحة مقدسة تلتقي فيها الأصوات عبر اللغات والثقافات. وفي هذا القسم من الأنطولوجيا متعددة اللغات، والمنسق بعين الشاعرة والمحررة البصيرة ميسنا تشانو، نقرأ ما دونه أربعة عشر صوتًا شعريًا فريدا من أرجاء العالم العربي، يقدّمون للقارئ فسيفساء نادرة من التجربة الحية، والتعبير الفني، والحنين الإنساني العميق.

من قلب فلسطين إلى نهر النيل في مصر، ومن جبال لبنان إلى سهوب غرب آسيا، وحتى جبال الأطلس لا يكتب هؤلاء الشعراء بالحبر فقط، بل بالذاكرة، وبالاحتجاج، وبالأحلام.
يمتدّون عبر أجيال وجغرافيات متنوّعة: شعراء وشاعرات، منفيون ومواطنون، باحثون وحالمون، يجمعهم إيمان مشترك بأن الشعر فعل مقاومة، ولغة كشف، وشهادة عن الجذور.
سواء كتبوا بالعربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الإيطالية، فإن كلماتهم تتجاوز حدود الترجمة، وتضرب على أوتار تتردد أصداؤها أبعد من كل الحواجز اللغوية.

كل شخص في هذا القسم يمثّل عدسة فريدة لرؤية ما هو حميمي وسياسي، أسطوري وواقعي في آن. فبالنسبة للبعض، مثل الدكتورة حنان عوّاد، يصبح الشعر امتدادًا لنضالٍ طويل من أجل الهوية والحرية والعدالة.
وبالنسبة لآخرين، مثل هاني نديم، ورضا أحمد، أو مؤمن سمير، وغادة نبيل وفتحي عبد السميع تغدو القصيدة مواجهة ذاتية، صدىً للعزلة الداخلية، أو انعكاسًا على اختلالات المجتمع.
أما التحدي الغنائي في شعر الدكتورة أروى بن ضياء والاستبطان التأملي عند بلال المصري فيبرزان كيف يمكن للتعبير المتعدد اللغات أن يصبح أداة للهدم والتركيب في آنٍ واحد، وللتحليق خارج المعتاد.

أنطولوجيا هندية بسبع لغات: 14 صوتا شعريا عربيًا

واستلهام التشكيل عند محمد عكاشة، أو علي العامري ،أو تأويل الآني في سطور طارق هاشم، أو الوقوف عند مفارق الحضارات والثقافات كما نقرأ عند دليلة حياوي، ورائد الجشي يعطي بعدا جديدا، ونفسا متجددا.

ليست هذه الأنطولوجيا مجرد مجموعة من القصائد، بل هي حوار بين الحضارات.
هنا، تتحول الصورة الشعرية إلى جسر بين الذاكرة والنبوءة، بين المنفى والعودة، بين الألم والجمال.
في سطورهم، يعيد الشعراء إحياء أماكن منسية، ويمنحون صوتًا لتواريخ صامتة، ويتخيلون مستقبلاً لا يصنعه الغزو، بل تصنعه الرحمة.

وما يضفي على هذه المجموعة خصوصيتها البالغة هو شكلها متعدد اللغات؛ إذ تتنفس كل قصيدة بلغتها الأصلية، وبترجمتها، بما يكرّم نسيج اللغة الأم، ويمنح انفتاحًا على قارئ عالمي.
وقد حرصت ميسنا تشانو في رؤيتها التحريرية على أن يُسمَع كل صوت بثرائه الكامل، مؤكّدة أن الشعر هو لغة التعاطف، لغة يجب الحفاظ على تنوّعها.

عند دخول القارئ إلى هذه المساحة الشعرية المتعددة، لا يُطلب منه أن يقارن، بل أن يتآلف.
فهؤلاء الشعراء الأربعة عشر لا يتحدثون فوق بعضهم البعض، بل يتناغمون في جوقة تعبّر عن تعقيد الروح البشرية وغناها. وفي زمن الضجيج، تبقى أصواتهم واضحة، متحدّية، ومضيئة.

ميسنا تشانو

فليُقرأ هذا القسم العربي، الذي اخترتُ أصواته، لا بوصفه أدبًا فحسب، بل شهادة. لا بوصفه جمالًا فقط، بل نَفَسًا حيًّا. وفي صفحات(ما وراء اللغة) ، لا تقدم لنا ميسنا تشانو مجرد أنطولوجيا، بل ملتقى أرواح، وإن تفرّقت أماكنها على الخارطة، تتحدث جميعها بلغة واحدة: العمق، والكرامة، والأمل الذي لا ينطفئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى