جاليري

مقامات صوفية ملونة في أعمال حيدر ادريس إبراهيم

بقلم: الفنان والناقد كمال هاشم - السودان

تتبدّى أعمال التشكيلي السوداني حيدر إدريس إبراهيم كأنها نوافذ على ذاكرةٍ بصرية وروحية تتغذى من التراث الصوفي، ومن جمالية الخط العربي، ومن دلالات اللون المضيء ككائن حيّ. لوحاته فضاءات تتجاور فيها الحروف والرموز والأشكال في حوارٍ دائم، حيث يصبح النص المكتوب مادة تشكيلية، ويتحوّل الخط إلى جسد نابض بالروح.
في بعض الأعمال، يبدو اللون كأنه يخرج من عمق النار والوهج، بينما في أخرى يهدأ إلى نغمة سماوية من الأزرق والبنفسجي، فتتأسس ثنائية بين التجلي والغياب، بين الاحتراق والنور. الخطوط المنحنية والمتداخلة لا تعمل على مستوى الزخرفة فحسب، بل تشكّل طاقة روحية، مثل قصائد صوفية تُكتب على القماش لتعلن عن صلة الفنان بما هو مقدس وخالد.
تجاورُ الكتل والأقنعة والوجوه الشبحية في بعض اللوحات يعكس ذاكرة مكانية وشخصية، كأنها تحفر في تاريخ المدن السودانية وطقوسها الشعبية، بينما تظل الحروف العربية والرموز الصوفية هي البوصلة التي تمنح العمل عمقه الروحي. إن تعدد الطبقات اللونية والنصية يُدخل المتلقي في عملية قراءة مستمرة، حيث اللوحة كتاب مفتوح لا تُقرأ دفعة واحدة، بل عبر تراكم النظر والانغماس في أسرارها.
إن مشروع حيدر إدريس إبراهيم يكشف عن فنان يقيم جسراً بين الحرف واللون، بين الموروث والحداثة، بين التجربة الذاتية والرؤيا الكونية. أعماله أقرب إلى “مقامات بصرية” تتأرجح بين الشعرية والقداسة، لتقدّم فناً ينهل من جذور سودانية عميقة، ويطلّ على العالم بحداثةٍ خاصة لا تنفصل عن الروحانية التي تسكن الأرض والإنسان في السودان.
كمال هاشم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى