عصام القوصي: الإبداع في تشريح المشاعر الشعبية المصرية في أيقونات بالألوان والرموز
تتجلّى في لوحات الدكتور عصام القوصي، أستاذ الجراحة بقصر العيني، ثنائية فريدة بين دقّة الجراح وشفافية الفنان. إذ يبدو أنه نقل مهارته في التعامل مع الجسد الإنساني من غرفة العمليات إلى سطح اللوحة، حيث يشرّح المشاعر والذاكرة الشعبية بالألوان والرموز. فهو طبيبٌ فنان، جمع بين العلم والفن، بين الملاحظة الدقيقة والتحليق في فضاء الخيال، ليصوغ تجربة تشكيلية ذات طابع خاص تستند إلى وعي بصري وإنساني عميق.
ينتمي القوصي إلى المدرسة التعبيرية الحديثة، لكنّه لا يكتفي بالتعبير الانفعالي، بل يُعيد بناء العالم من حوله وفق رؤية وجدانية متوازنة، فيها دفء وبساطة وطفولة مشاغبة. الشخصيات في أعماله، نساء ورجال، أزواج وأصدقاء، أمّهات وبنات، تقف أمامنا بملامح هادئة وعيون واسعة، أقرب إلى أيقونات إنسانية تستحضر روح الحياة الريفية المصرية وأجواء الحكاية الشعبية. تتكرّر في اللوحات مفردات التآلف، الحوار، الصحبة، والتأمل، وكأن الفنان يكتب يوميات المجتمع بملامح حُلُمية صافية.
ألوانه زاهية مشبعة بالضوء، تميل إلى الأحمر القاني والأصفر الدافئ والأخضر الحيوي، في انسجام يعبّر عن فرحٍ دفين بالحياة رغم هدوء الوجوه. خلفياته المليئة بالنقوش والزخارف الصغيرة تضفي على اللوحة طابعًا زخرفيًا متقنًا، لكنه لا يُفقدها صدقها الإنساني، بل يجعلها أقرب إلى نسيجٍ من الذاكرة والعاطفة. وتبدو العيون محورًا أساسيًا في عالمه التشكيلي؛ فهي نافذة الروح ومرآة الداخل، ومن خلالها يتدفّق الإحساس بالسكينة أو الحيرة أو الانتظار.
من خلال المجموعة من الأعمال المرفقة هنا، يرسّخ القوصي صلة الفن بالهوية. فثمة حضور واضح للبيئة المصرية الشعبية في تفاصيل الأزياء، والألوان، والعلاقات الحميمة بين الشخصيات، حتى ليبدو المشهد كأنه مأخوذ من حلمٍ ريفيٍّ قديم أو من حكاية أمٍّ ترويها لطفلها. ومع ذلك، فإن هذا التراث لا يُقدَّم في صورة فولكلورية، بل في صياغة حداثية تُعيد تشكيل الرموز بلغة تشكيلية مفعمة بالتجريب والصفاء.
يُذكر أن الدكتور عصام القوصي، إلى جانب مسيرته الطبية كأستاذ للجراحة العامة في كلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، حصل على دبلوم المعهد العالي للنقد الفني بامتياز، وأجرى دراسات حرّة في الفنون الجميلة، مما منح تجربته عمقًا وفهمًا دلاليًا للممارسة الفنية. شارك في عدد من المعارض الجماعية، منها معرض “بعيون مصرية” في أتيليه القاهرة، ومعرض “علم وإبداع” بدار الأوبرا المصرية، مع فنانين جمعوا بين الخلفيات العلمية والإبداع التشكيلي. كما يُروى أن الفنان الراحل حسين بيكار قد منحه جائزة فنية في شبابه الباكر، حين لمس في رسومه الأولى موهبة استثنائية وميلًا نحو التعبير الأصيل.
تُقدّم تجربة عصام القوصي نموذجًا مدهشًا لتكامل العلم والفن، حيث يمتد الوعي بالجسد الإنساني إلى وعيٍ بالروح الإنسانية، فاللوحة عنده مساحة للبوح والتأمل والاعتراف.